هذا نص استقالتي من حزب الوفد العريق
السيد المستشار/ بهاء أبوشقة
رئيسُ حزبِ الوفدِ المحترم
تحيةٌ طيبةٌ وبعد،،،
تربِطني علاقةٌ وثيقةٌ بحزبِ الوفدِ العريقِ، أحدَ أهمِ الأحزابِ المِصريةِ، علاقةٌ ممتدةٌ عشر سنواتٍ، جعلتني أشعرُ بخصوصيةٍ داخلِ بيتِ الأمةِ لم أجِدها في أي حزبٍ آخرَ، علاقةٌ تتجاوزُ علاقةَ صحفيٍّ بمصدرِهِ، ربما لارتباطِهِ بالتاريخِ الوطنِي ونشأتِه التي صاحبتْ ثورةَ 1919، والتي جاءتْ بسعدِ باشا زغلولْ ورفاقِه إلى السلطةِ باختيارٍ شعبيٍّ حرٍّ، في ملحمةٍ إنسانيةٍ ما زالتْ تدرّسُ في مختلفِ أنحاءِ العالمِ، ربما لأنه بيتُ الوطنيةِ المِصريةِ الذي خرجَ من داخلِه الشعارُ الخالدُ: “عاشَ الهلالُ مع الصليبِ”، كدليلٍ على وحدةِ أبناءِ الوطنِ، وإفشالِ أي مخططِ لإفسادِ التلاحُمِ بينَ نسيجَي الأمةِ، وهو ما جعلني أنضمُ للحزبِ العريقِ عام 2011 عقبَ ثورةِ ينايرَ.
عشقي للوفدِ، وارتباطي بقراراته التاريخيةِ في السنواتِ الأخيرةِ بدايةً من عقدِ أولِ تجربةٍ ديمقراطيةٍ للانتخاباتِ في مِصْرَ، والتي جاءت بالدكتورِ السيد البدوي رئيسًا للوفدِ، وفوزِهِ على منافسِهِ محمود أباظة الذي كان رئيسًا للوفد وقتَها، ثم قرارِ الانسحابِ من انتخاباتِ برلمانِ 2010 المزورةِ والذي كان مسمارًا في نعشِ نظامِ حسني مبارك، الذي انهارَ في ثورةِ 25 ينايرَ 2011، وكان الوفدُ حاضرًا في مقدمةِ الصفوفِ، وعندما حادتْ الثورةُ عن أهدافِها، وحاولَ الإخوانُ اختطافَها كان بيتُ الأمةِ حاضرًا مجددًا، وتم فيه تأسيسُ جبهةِ الإنقاذِ الوطني لإسقاطِ نظامِ المعزولِ محمد مرسي، ولم يغبْ الوفدُ عن المشهدِ حتى في أضعف حالاتِهِ وانقساماتِهِ الداخليَّةِ، وأزماتِهِ الماليَّةِ، جاءَ الوفدُ ثالثًا في انتخابات برلماني 2012 و2015 على التوالي، بل وحصد موقعَ وكيلِ رئيس المجلسِ في كليهما، وهو أمرٌ يستحقّ البحثَ والدراسةِ.
الحقيقةُ أنّ عشقي للوفدِ، لم يمنعني يومًا من انتقادِ قياداتِهِ عندما يخطئون أو يجانبهم الصواب، وهم يَقبَلون ذلك بصدرٍ رَحِبٍ، لإدراكِهم أنّي أفعل ذلك حبًا في الحزبِ العريقِ، أملًا في أن يظلّ رقمًا مهمًا في الحياةِ السياسيةِ المصريةِ، وأن يخرج من دائرةِ الانقساماتِ والصراعاتِ، إلى رَحابَةِ التوحدِ والتطويرِ والعملِ الأكثرَ مؤسسيةً ليحتلّ المكانةَ التي يستحقها، بأن يصبح في صدارةِ المشهدِ السياسي، لذا فإن أي متابعٍ، وأي منصفٍ، لا يرضيه أن تظل نيران الخلافاتِ والانقساماتِ تحيط بالوفدِ، الذي يعد أكثر الأحزابِ المصريةِ فرصةً في أن يقودَ الوطنَ، وأن يصبحَ شريكًا حقيقيًا في السلطةِ، وأن النظام أيَّ نظامٍ لن يجدَ أفضلَ من الوفدِ بكل تاريخِهِ وحاضرِهِ، ليكون حزبًا حاكمًا، بعد إدراكِ الدولةِ أن الرهانَ على أحزابِ “الصوباتِ” مشوّهة المولدِ، أو الكياناتِ سريعةِ التجهيزِ، لن تجدي نفعًا، لأن أحزابَ المراهقةِ السياسيةِ أو الشركاتِ والبنكنوتِ لا تناسب البيئةِ المصريةِ، ولم تلقَ قبولًا شعبيًا أو سياسيًا.
ليبقى السؤالُ هلْ يدركُ قياداتُ الوفدِ حجمَ الكنزِ الذي تحت أيديهم؟ هل يستوعبون أن النقدَ المخلصَ في صالحهم؟ وهدفه إعادةُ البناءِ على أسسٍ سليمةٍ، تجعله رقمَ واحدَ، وأن الحزبَ لا بد أن يكونَ مفتوحًا لكل أبنائِهِ المخلصِين، وتناسي المصالحَ الشخصيةِ الضيقةِ، والاعتماد على الكفاءاتِ وليس حملةِ المباخرِ “وكذابي الزفة”، وأصحابِ المصالحِ، هل يدرك المتصارعون أن الوفدَ لن يتقدم إلا بكل أبنائِهِ بمختلفِ مسمياتهم؟ كما الوطن تماماً، وأنهم “يفرطون” في فرصة تاريخية تجعل من حزبهم حاكمًا لمصر، تحت نيرانِ خلافاتهم الضيقةِ.
يحتاج الوفد إلى “قعدةِ عرب” تتصافى فيها النفوس، ثم وضع منهجيةِ عملٍ واضحةٍ يوضع فيها الرجلُ المناسبُ في المكانِ المناسبِ، وتحترم فيها الديمقراطية، وتعالج فيها المشاكلُ كانت مالية أو مؤسسية، ويتم ترتيبُ البيتِ من الداخلِ بعيدًا عن “الشلليةِ”، آن الأوانُ أن تعود الطيورُ المهاجرةُ لبيتها مهما كانت أسباب ابتعادهم، وأن تحتَرَمَ إرادةَ الوفديين، وأن يكون الحزبُ جاذبًا مجددًا لكل أبناءِ الوطنِ، وليس للوفديين بالوراثةِ، بحيث نشاهد وجوهًا جديدةً بدايةً من القواعدَ في كل قريةٍ وكفرٍ ونجعٍ وصولًا لمستوى القيادةِ العليا، وأن يشهد الحزبُ موجةً إصلاحيةٍ حقيقيةٍ، ورؤيةً تنظيمةً جديدةً تعتمد على المؤسسية أكثر من اعتمادها على جماعاتِ المصالحِ المتصارعةِ.
الوفدُ لديه فرصةٌ تاريخيةٌ، قد لا تتكرر، إذا لم يحسن أبناؤه بمختلفِ توجهاتِهِم الاستفادةَ منها، فنجاحُ الحزبِ في أن يبقى من أهم الأحزابِ المِصرِيةِ رُغم الصراعاتِ والظروفِ القاسيةِ، وعدمِ وجودِ مواردَ ماليةٍ في مقابل أحزابٍ أنفقت مئاتَ الملايينَ من الجنيهاتِ، جعلتْ البعضَ يبحث مدى إمكانيةِ تأهيلِ الوفدِ ليكونَ الحزبَ الحاكمَ في الفترةِ القادمةِ لما يملكُهُ من تاريخٍ عريقٍ وحاضرٍ يمكن البناءُ عليه بإيجابيةٍ.
السيدُ رئيسُ الوفدِ، بعدَ كلُ هذه السنواتِ اسمحلي أن أتقدمَ بالاستقالةِ من الحزبِ وكلِّ تشكيلاتِهِ، وأتمنى لكم التوفيقَ والسدادَ، ولحزبِ الوفدِ العريقِ دوامَ الازدهارِ، وسوف تظلُ لبيتِ الأمةِ مكانةٌ خاصةٌ وخاصةٌ جدًا في قلبي، لن يغيّرها البعدُ مهما طالَ الزمنُ.
وتفضلوا بقبولِ وافرِ الاحترامِ
معَ خالصِ مودّتِي
صفوت عمران
عضو الهيئة الوفدية
وفي اول تصريح له فور استقالته قال صفوت عمران عضو الهيئة الوفدية تمت الاستقالة بمنتهى الود والحب وسعدت بلقاء السيد المستشار بهاء ابوشقة رئيس الوفد والزملاء في لجنة الإعلام المركزية في لحظة وداع فاصلة .. غادرت الوفد، والوفد لن يغادرني ..
#اتمنى أن أكون ساهمت في إرساء تقليد جديد .. مفاده بقاء الود واحترام اختيارات بعضنا البعض