سيد حاج
تنتمى اللغة العربية إلى أسرة اللغات السامية المتفرعة من مجموعة اللغات الإفريقية الآسيوية. وتضم مجموعة اللغات السامية لغات حضارة الهلال الخصيب القديمة، مثل الأكادية والكنعانية والآرامية واللغة الصيهدية (جنوب الجزيرة العربية) واللغات العربية الشمالية القديمة وبعض لغات القرن الإفريقى كالأمهرية.
واللغة العربية هى أقرب اللغات السامية إلى “اللغة السامية الأم”، وذلك لأنها احتفظت بعناصر قديمة تعود إلى اللغة السامية الأم أكثر من أى لغة سامية أخرى. ففيها أصوات ليست موجودة فى أيّ من اللغات السامية الأخري، بالإضافة إلى وجود نظام الإعراب والعديد من الصيغ لجموع التكسير والعديد من الظواهر اللغوية الأخرى التى كانت موجودة فى اللغة السامية الأم.
وتُعد اللغة العربية “الشمالية”، أقرب اللغات إلى الأصل الذى تفرّعت منه اللغات الساميّة، لأن عرب الشمال لم يمتزجوا كثيرًا بغيرهم من الأمم، ولم تخضعهم أمم أخرى لحكمهم كما كان الشأن فى كثير من الأمم السابقة الأخرى كالعبرانيين والبابليين والآشوريين، فحفظتهم الصحراء من غزو الأعداء وحكم الأمم الأجنبية، كما حفظت لغتهم من أن تتأثر تأثرًا كبيرًا بغيرهم. كذلك فإن العربية هى أكثر اللغات السامية احتفاظًا بسمات السامية الأولى فقد احتفظت بمعظم أصوات اللغة السامية وخصائصها النحوية والصرفية،فقد احتفظت بأصوات فقدتها بعض اللغات مثل: غ، ح، خ، ض، ظ، ث، ذ. ولا ينافسها فى هذه المحافظة إلا العربية الجنوبية، واحتفظت أيضًا بعلامات الإعراب بينما فقدتها اللغات السامية الأخري، وبمعظم الصيغ الاشتقاقية للسامية الأم: اسم الفاعل، المفعول، وتصريف الضمائر مع الأسماء والأفعال: بيتي، بيتك، بيته، رأيته، رآنى. واحتفظت العربية بمعظم الصيغ الأصلية للضمائر وأسماء الإشارة والأسماء الموصولة. وبما أن معجم العربية الفصحى يُعتبر ثروة لفظية ضخمة لا يعادلها أى معجم سامى آخر، فإنها أصبحت عونًا لعلماء الساميات فى إجراء المقارنات اللغوية أو قراءة النصوص السامية القديمة كنصوص الآثار الأكادية والفينيقية والأوغاريتية وحتى نصوص التوراة العبرية.
وهناك العديد من الآراء حول أصل العربية لدى قدامى اللغويين العرب، منها أن اللغة العربية أقدم من العرب أنفسهم فقالوا أنها لغة آدم فى الجنة، وفريق ذهب أن إسماعيل هو أول من تكلم بها، وثبت أن جنوب الجزيرة العربية، موطن يعرب المفترض كان يتحدث بعربية مختلفة لها قواعدها.
ومنهم من يرى أنها لغة قريش خاصة ويؤيد هذا الرأى أن أقدم النصوص المتوفرة بهذه اللغة هو القرآن والنبى محمد قُرشى وأول دعوته كانت بينهم وهو الرأى الذى أجمع عليه غالب اللغويين العرب القدماء ومنهم من يرى أنها لهجة عربية تطورت فى مملكة كندة فى منتصف القرن السادس الميلادى بسبب إغداق ملوك تلك المملكة المال على الشعراء فأدى لتنافسهم وتوحد لهجة شعرية بينهم وهم أقدم من قريش وأيد ذلك العديد من المستشرقين فرجّحوا وجود ما أسموه بـــ «اللغة العالية» وهى لغة شعرية خاصة بالإضافة للهجات محلية فاعتبروا تلك اللغة لغة رفيعة تظهر مدارك الشاعر وثقافته أمام الملك والرأى القائل أنها لغة قريش أقوى لأن أقدم النصوص بهذه اللغة هو القرآن فالشعر الجاهلي، إن كان جاهليًا حقًا، دُوّن بعد الإسلام ولا يملك الباحثون نسخة أصلية لمُعلّقة أو قصيدة جاهلية ليُحدّد تاريخها بشكل دقيق.
توجه العلماء الأقدمون إلى القول بأن مكة كانت «مهوى أفئدة العرب» وأنهم كانوا يعرضون لغتهم على قريش وأن تلك القبيلة كانت تختار الأصلح فتأخذه وتترك الرديء حتى غلبت لغتهم شبه الجزيرة بكاملها قبل الإسلام.
وسيادة اللغة ترتبط غالبًا بسيادة سياسية ولا يوجد دليل قطعى على هذه السيادة القُرشية على القبائل قبل الإسلام فقد كانت العرب قبل الإسلام تعدّ قريشًا تُجّارًا وليسوا مقاتلين ويُرجّح عدد من الباحثين أن كل الوارد أنها لهجة قريش كان من باب تفضيل النبى محمد أو هو نتاج التنافس بين الأنصار والمهاجرين،
ولم يرد فى القرآن أنها لغة قريش بل وردت آيات تحدى أن يأتوا بمثله فهذا التحدى أن يأتوا بمثله وبنفس لسانه «العربى المبين « دليل أنه أكمل الألسنة العربية وليس لسان بعض العرب على غيرهم بل إن المسلمين يعدّون القرآن معجزة بحد ذاتها.
قسّم علماء الآثار اللغات العربية إلى قسمين عربية جنوبية قديمة وتشمل لغة سبئية وقتبانية وحضرمية ومعينية والقسم الآخر هو عربية شمالية قديمة وتشمل الحسائية والصفائية ولغة لحيانية/ديدانية وثمودية (لا علاقة لها بثمود إنما هى تسمية اصطلاحية) والتيمائية كان العرب الجنوبيون يستعملون الحرف نون كأداة للتعريف ويضعونه آخر الكلمة بينما العرب الشماليون استعملوا الحرف هاء كأداة للتعريف وما يُميّز العربية «الفصحي» عن هذه اللغات هو استعمالها لأداة التعريف «ال» أقرب النصوص القديمة لهذه العربية هو نقش النمارة الذى اُكتُشِف بجبل الدروز وهو نص مؤرخ بتاريخ 328م ومكتوب بنوع من الخط النبطى القريب من الخط العربى الحالي، وهو رسم لضريح ملك مملكة الحيرة امرئ القيس بن عمرو وصف فيه بأنه «ملك العرب» فالسلطة السياسية متوفرة والنص مكتوب بعربية هى الأقرب لعربية القرآن وهناك نقوش أخرى فى قرية الفاو عاصمة مملكة كندة وقد كتبت بالخط المسند وتعود إلى القرن الأول قبل الميلاد ووصف الباحثون لغة قرية الفاو بأنها «شبه سبئية» ومع ذلك فإنهم استخدموا الألف والميم كأداة للتعريف، ونقش عين عبدات فى صحراء النقب، ويعود تاريخه إلى القرن الأول أو الثانى بعد الميلاد، وقد كتب بالحرف النبطى ونقش آخر لا يبتعد كثيرًا عن الإسلام إذ أنه دُوّن قبل مولد النبى محمد بسنتين .
لم يُعرَف على وجه الدقة متى ظهرت كلمة العرب؛ وكذلك جميع المفردات المشتقة من الأصل المشتمل على أحرف العين والراء والباء، مثل كلمات: عربية وأعراب وغيرها، وأقدم نص أثرى ورد فيه اسم العرب هو اللوح المسمارى المنسوب للملك الآشورى شلمنصر الثالث فى القرن التاسع قبل الميلاد، ذكر فيه انتصاره على تحالف ملوك آرام ضده بزعامة ملك دمشق، وأنه غنم ألف جمل من جنديبو من بلاد العرب، ويذكر البعض – من علماء اللغات – أن كلمة عرب وجدت فى بعض القصص والأوصاف اليونانية والفارسية وكان يقصد بها أعراب الجزيرة العربية، ولم يكن هناك لغة عربية معينة، لكن جميع اللغات التى تكلمت بها القبائل والأقوام التى كانت تسكن الجزيرة العربية سُمّيت لغات عربية نسبة إلى الجزيرة العربية.
اللغة العربية من اللغات السامية التى شهدت تطورًا كبيرًا وتغيرًا فى مراحلها الداخلية، وللقرآن فضل عظيم على اللغة العربية حيث بسببه أصبحت هذه اللغة الفرع الوحيد من اللغات السامية الذى حافظ على توهجه وعالميته، فى حين اندثرت معظم اللغات السامية، وما بقى منها عدا لغات محلية ذات نطاق ضيق مثل: العبرية والأمهرية (لغة أهل الحبشة، أى ما يُعرف اليوم بإثيوبيا)،. يتحدث اللغة العربية حاليًا قُرابة 422 مليون نسمة كلغة أم، كما يتحدث بها من المسلمين غير العرب قرابة العدد نفسه كلغة ثانية.
فصّل اللغويون الغربيون اللغة العربية إلى ثلاثة أصناف رئيسية، وهى: التقليدية والعربية القياسية والعامية. بينما لا يستخدم اللغويون العرب هذا التصنيف ويكتفون بتقسيم اللغة العربية إلى صنفين هما: العربية الفصحى وهى اللغة المستخدمة فى الاعلام والتعليم والمؤسسات الرسمية والكتب والأدب. والصنف الثانى هو اللهجات العاميّة وهى اللهجات التى يتكلّمها أغلبية الناس فى حياتهم اليومية. العربية العامية مختلفة من منطقة إلى منطقة، تقريبا مثل أيّة لهجة مُماثلة لأيّة لغة أخرى.
اللهجات العامية والفصحي
تعدد اللهجات كان موجودًا عند العرب من أيام الجاهلية، حيث كانت هناك لهجة لكل قبيلة من القبائل. وقد استمر الوضع هكذا بعد مجيء الإسلام. ومن أبرز الأسباب التى أدّت لولادة لهجات عربية مختلفة فى القِدم هو أن العرب كانوا فى بداية عهدهم أميين لا تربطهم تجارة ولا إمارة ولا دين، فكان من الطبيعى أن ينشأ من ذلك ومن اختلاف الوضع والارتجال، ومن كثرة الحل والترحال، وتأثير الخلطة والاعتزال، اضطراب فى اللغة كالترادف، واختلاف اللهجات فى الإبدال والإعلال والبناء والإعراب. ومن أبرز اللهجات والألفاظ: عجعجة قُضاعة أى قلب الياء جيمًا بعد العين وبعد الياء المشددة، مثل راعى يقولون فيها: راعج. وفى كرسى كرسج، وطمطمانية حِمْير وهى جعل “إم” بدل “أل” فى التعريف، فيقولون فى البر: أمبر، وفى الصيام أمصيام، وفحفحة هذيل أى جعل الحاء عينًا، مثل: أحل إليه فيقولون أعل إليه، وعنعنة تميم وهى إبدال العين فى الهمزة إذا وقعت فى أول الكلمة، فيقولون فى أمان: عمان، وكشكشة أسد أى جعل الكاف شينًا مثل “عليك” فيقولونها: “عليش”، وقطْعةِ طيئ وهى حذف آخر الكلمة، مثل قولهم: يا أبا الحسن، تصبح: يا أبا الحسا، وغير ذلك مما باعد بين الألسنة وأوشك أن يقسم اللغة إلى لغات لا يتفاهم أهلها ولا يتقارب أصلها.