“حكايات وراء الأقنعة”

بقلم: أمينة عبده

في زمنٍ أصبحت فيه الصورة أهم من الحقيقة، صار كثير من الناس يركضون وراء المظاهر اللامعة وينسون الجوهر الحقيقي للأشياء. نرى الوجوه المبتسمة على مواقع التواصل الاجتماعي، والملابس الفاخرة، والرحلات الجميلة، فنظن أن أصحابها يعيشون حياة سعيدة مليئة بالراحة، بينما الحقيقة أحيانًا تكون عكس ذلك تمامًا.
المظاهر الخادعة أصبحت سلاحًا يستخدمه البعض ليخفوا خلفه الضعف، أو الألم، أو النقص. فكم من شخصٍ يبدو قويًا من الخارج لكنه محطم من الداخل؟ وكم من إنسانٍ يضحك بصوتٍ عالٍ وهو في الحقيقة يختنق من الحزن؟

المظاهر الخادعة لا تقتصر على الشكل فقط، بل تشمل التصرفات والكلمات أيضًا. هناك من يتقن فن الكلام المعسول ليكسب ثقة الناس، بينما في داخله نية مختلفة تمامًا. وهناك من يتظاهر بالطيبة ليخفي خبثه، أو بالكرم ليغطي طمعه، أو بالثقة بالنفس ليخفي خوفه وضعفه. كل ذلك يجعلنا نتساءل: كيف يمكننا التمييز بين الحقيقة والزيف؟
الجواب بسيط لكنه يحتاج إلى وعي، وهو أن ننظر إلى الأفعال لا الأقوال، إلى المواقف لا الصور، لأن المواقف تكشف دائمًا ما يحاول الإنسان إخفاءه خلف المظاهر.

لقد تغيّر مفهوم الجمال في مجتمعاتنا الحديثة، فأصبح يُقاس بما نرتدي، وبما نملك، لا بما نحمل في قلوبنا. أصبح الإنسان يُقدَّر بحسب عدد متابعيه على وسائل التواصل، أو ماركة ملابسه، أو نوع سيارته. لكن في الواقع، الجمال الحقيقي لا يُشترى ولا يُصنع، بل يُرى في الأخلاق والتواضع والصدق. فالشخص الجميل حقًا هو من يُشعّ راحة وطمأنينة لمن حوله، وليس من يُبهر الأنظار بلقطة عابرة.

ومن المؤسف أن كثيرًا من الناس يسقطون في فخ المظاهر، فيُصابون بالإحباط عندما يقارنون حياتهم بحياة الآخرين التي يرونها عبر الشاشات. ينسون أن ما يُعرض ليس بالضرورة الحقيقة، وأن خلف الصور المثالية قصصًا من التعب والخذلان وربما الألم. فليس كل ما يلمع ذهبًا، وليس كل من يبتسم سعيدًا.

الحياة الحقيقية لا تُقاس بمظاهرها، بل بما نعيشه بصدق. قد نملك القليل لكننا نشعر بالراحة، وقد نبدو بسطاء في نظر الناس لكننا نملك قلوبًا غنية بالحب والرضا. لذلك علينا أن نرتدي الصدق بدل الزينة، ونتمسك بالجوهر بدل القناع. فالمظاهر تزول سريعًا، أما الجوهر الحقيقي فهو الذي يبقى ويدوم.

في النهاية، الأقنعة قد تُخفي الوجوه لبعض الوقت، لكنها لا تستطيع أن تخفي الحقيقة إلى الأبد. فالنقاء لا يحتاج إلى تبرير، والصدق لا يحتاج إلى تلميع. تذكّر دائمًا أن أجمل الوجوه هي تلك التي لا ترتدي قناعًا.