كتبت : هبة العقيلي
أدركت في لحظة فارقة أنها لم تفارق سوي أجسادهم ، فظلت روحها تُعانق ارواحهم كل يوم ، حيث احاطوا حياتها بكنز ثمين ، يبقي أثره ولا يُفني ابداً ، لتجده سبباً يمحنها الحياة من جديد ، حيث كلما تُخطو خطوة، تجني ثمار اعمالهم الطيبة في قلوب الأخرين ، فتجتهد ان تُكمل هذة الأعمال وتُزيد عليها ، حتي لُقبت د. مني العقاد بطبيبة “الغلابة” ، التي تُرسل العديد من الدعوات لوالدها ووالدتها واخيها الكبير في قبورهم ، ساعيه أن تُطيل سيرة عائلة العقاد دائماً.
تتحلي أسرة اللواء أحمد العقاد بمعظم المبادئ التي ذاع صيتها في الأسر المصرية ، لكنها تتميز بثقافة اخلاقية عالية ، فلم يتبع الأب مع ابنائه الثلاثة صلابة التربية العسكرية ، إنما أخذ منها الجدية في التنفيذ ، كوفائهم بالوعد وانضباطهم في المواعيد ، سعيهم إلي التميز الدائم في الحياة العملية .
اما رقة قلب الأم الطبيبة، كانت تُغلب عليها في وصاياها لهم ،تُوظب علي الجلوس معهم لتحفيظ القرأن الكريم ،تطلب دائماً منهم التحلي بصفات الرسوال (ص)، كالتسامح الذي يجعلهم اقوياء علي انفسهم امام الاخرين ” ماما كانت دائما تقولنا ربنا فوق والناس كلها تحت فكان الصدق والصراحة والوضوح اساس تفكرنا في الحياة ” تقول مني العقاد .
لتُصبح الأبنة الصغري طبيبة، تنفرد بإختيارها لتخصص طبي ،اصبح معروفاً مؤخراً ” امراض السمع والإتزان “ فهي تري إنه تخصص مليئ بالأمل ، قادر علي إحياء حياة ضعاف السمع من جديد ،الذين تتغلب علي حياتهم الانطوائية واليأس والاكتئاب ، لفقدهم لوسيلة اتصال رئيسيه في الحياة “حاسة السمع ” فاقد البصر الناس شايفين الاعاقه فبيراعوه انما الاصم لا “ .
فأصاب التنمر نفسية طفل جاء لعيادتها، قام بتكسير سماعته ولايريد الذهاب للمدرسه مرة اخري ، علي عكس “عم يوسف” الذي صار يومياً يذهب إلي المقهي لمقابلة اصدقائة والتواصل معهم ، فجمعته الصدفة يوماً مع د. مني العقاد ، فتكتشف ارتدائه الخاطئ لسماعته، التي جعلته يعاني من تشويش في السمع لسنوات كثيرة، فتقوم بضبط السماعه ، فيسمع جيداً ، وتتذكر إنه تكرر نفس الموقف مع حارس عقار ” عم صحبي ” زمايله اما بيشوفني في المنطقة بيعرفوني ويطمنوني عليه ، دي الدكتورة اللي ضبطت سماعه عم صبحي” .
توفت الأم ” د.كوثر سليمان منذ 15 عاماً ، فكانت متكئة بحزنها علي أبيها اللواء أحمد العقاد ،إلي ان توفي الأب في فبرابر 2020 ، فيتحول اخيها الكبير سنداً لها في الحياة ، فجاءت الفاجعة بوفاته في نفس شهر وفاة والدهما ” فبراير 2021 ،” حسيت اني فقدت عواميد حياتي وهقع ،بقيت بقول يارب امته اروحلهم واحصلهم ” لتأتي لحظة فارقة مُحملة برسالة لها علي عاتقها ، فتوهب حياتها للحفاظ عليها ، وتكن سبباً في تفكيرها الايجابي، تجاه فهم الحكمة الربانية فما مرت به.
،فبجانب انها طبيبة واستاذة جامعية ، تُولت دور تخليد ذكري عائلتها ، فجعلت الجميع يترحم عليهم كل يوم . لتبكي من السعادة عندما عُلقت في حي المنيل لوحة ” عاش هنا ” النائب السابق” د.محمد العقاد ” تخليداً لسيرته واعماله في دائرة المنيل ومصر القديمة ،فتتلقي يومياً من الأهالي العديد من الدعوات لعائلتها ،بالاضافة إلي تشجيعهم والدعم النفسي لها .
” كنت دايما اقول لبابا ادعيلي ان ربنا يرزقني في شغلي وعيادتي ، فيقولي انا هدعيلك ان ربنا يرزقك بالمريض اللي يكون محتاج تخصصك ودعوته هتجبلك الرزرق “ فتستقبل من جميع المحافظات مرضي قاصدين تخصصها ، حتي تقرر ان يكون الكشف مجانياً طوال الاسبوع ،بدلاً من يوم واحد، لذا اجتهدت في التفكير ، لخلق جواً حافل من الترحيب لهم ،فيقدم لكل مريض عصير قصب وشوكولاته مع مشاهدة شاشه تزيد من وعيه بأمراض السمع والاتزان، مع قضاء اطفالهم وقتاً سعيد في الكيدز ايريا.
تحرص د. مني العقاد علي إجراء اللازم مع ابتسامة لاتغيب اثناء الكشف ، فلا فرق لديها بين كشف مدفوع وكشف بالمجان ،” الرزق اما يكو في صورة دعوة مريض بيبكي من السعادة دي عندي بالدنيا ، بحس ان ربنا راضي عني “. لتذهب من خلال الكنائس والجمعيات والمدراس إلي القوافل الطبية في العديد من المحافظات ،بحثاً عن المرضي غير القادرين علي التنقل ، للكشف عليهم من خلال عيادتها المُجهزة والمُتنقلة معها ، لذلك يلاحقها لقب طبيبة الغلابة ، لكنها تراه مسئولية كبيرة ، فتتمني استحقاقه واستمراره برفقتها مدي الحياة.
اثناء زيارتها للكنيسة الاسقفية مع أخيها د. محمد العقاد للمعايدة علي الاخوة المسحيين ، تفاجئت بإن بداخلها مدرسة للصم والبكم ، وبجانبها عيادة سمعيات علي بابها قفل حديدي كبير ، فتطلب إذن المسئولين بفتحها ، لتجد اجهزة قيميتها نص مليون جينه، تبرع من السفارة اليابانيه ، لذلك تطوعت بتشغيلها يوم في الاسبوع لمدة سنين ، يأتي لها الكثير من المرضي مسلمين ومسحيين ، لمدة تلاثه سنوات ،إلي ان جاءت ازمة كورونا، حيث تم تكريمها أكثر من مرة ، لتطوعها بالعمل بتحصصها في أكثر من كنيسة .
تتذكر اكثر الحالات التي أثرت بها ، فتكون في سعادة عارمة ،عندما تُخيب افتراض خاطئ بضعف السمع ، وخاصه الأمهات والأباء الذين يفترضوا بأن أطفالهم ضغاف السمع ، لعدم استجابتهم السريعة اثناء النداء عليهم ،فلابد عمل مقياس سمع وإتزان للطفل قبل الحكم بذلك ، لأن يمكن ان يرجع السبب لعادة سلوكية اكتسبها ، او إلتهاب الأذن الوسطي ، تُسبب له ضعف أذن مؤقت كاذب ،فتنجح د. مني العقاد في إعادة الأطمئنان لقلوب الوالدين وطفلهما.
اطلقت د . مني العقاد بالتعاون مع وزيز الصحة السابق ” اللواء احمد زغلول مهران مباردة ” زي زيك ” رسالة إلي العالم عن اطفال الداون ، بعد ان اقتحم الطفل احمد قلبها ، بحضن وقُبله عند رؤيتها لأول مرة ، فتشعر برقة قلبه ولطفه ،بينما كانت عيون والدتها مليئة بالدموع ، لإعطاء طفلها نسبه ذكاء أقل من 65% تجعله يلتحق بمدرسة لذوي الأحتياجات الخاصة ، فتطلب منها المساعدة بارسالها لجهة تعطي له نسبة ذكائه الحقيقة ، ليأخذ نسبة اكثر من 65%، وكان يمكنه الالتحاق بمدرسة عامه ، لكن والده رفض خوفاً عليه من التنمر .
لذا قامت د.مني بانشاء جروب واتس اب بجانب المبادرة، لمتابعه مشاكلهم الخاصه وحث الأمهات علي دمجهم في المجتمع من خلال الانشطة والنوداي الرياضية .
لم تُغادرها سيرة اخيها الكبير ، فتارة تترحم عليه وتارة اخري تتغزل في إخلاقه وطباعه ، فتجمعهما صدفة ميلادهما في نفس اليوم و الشهر 7/5 ، لذا يتشابهان في الروح والطباع والافكار ، ” كنت قبل ما تكلم كان يقولي أنتي عايزة تقولي كذا صح “ ،
حيث تري النائب د. محمد العقاد بطلاً للسلام ، لما قام به من أعمال صالحه لأهالي حي المنيل ومصر القديمة ،فكانت تستمتع دائماً أن تشاركه بعض جولاته ، لتتجرد من مشاعر الاخوة وتشهد كمواطنه في حي المنيل بحياديته “هفتكر لمحمد العقاد إنه جابر الخواطر،عمره ما كسف او رد حد محتاجه “.
تشتهر د. مني العقاد بالعديد من الانشطة الخدمية وإطلاق العديد من المبادرات، فترعرعت في بيت تأسس علي حب الوطن ، لذا بعد أن تعرفت الاخت الصغيرة علي يد اخيها الكبير اعظم الاماكن الأثريه في مصر ، فطلبت منه تسمية مبادرة لها ،تستطيع من خلالها ان تجمع سيدات الاحياء المجاورة واولادهم ، للمشي في الاماكن الأثريه يوماً في الاسبوع ، فأطلق عليها اسم ” امشي واعرف بلدك ”
فقامت بعمل جروب علي الواتس اب للمبادرة ،لتطلب من كل فرد الاستعداد لزيارة المكان القادم بتحضر معلومة عنه ،حيث انضم إليها الكثير من الافراد يريدوا الاستمتاع برؤية اثار بلدهم ،والمساهمه في تنشيط السياحة بها بتعاون مع المرشدين السياحين ،خاصة في حي مصر القديمه .
نجحت في ان تُبهر الجميع بتطبيقها لمبادرة ” امشي واعرف بلدك ” بداخل مؤسسه ” ملتقي العقاد للتنميه ” ، حيث بعد وفاة اخيها الكبير ، تولت ادراته ، وأردات أن تُضيف بصمة خاصه بها ، فلم تنسي لحظة واحدة بأنها تعيش من أجل تخليد ذكري عائلتها ، فقامت بتحويل المؤسسه إلي متحف اثري كبير ، تعبر كل غرفة عن عصر من عصور مصر التاريخية ، بجانب تمثيلها لشخصية كل فرد من عائلتها .
فالغرفه السيناويه تُمثل والدها بطل سيناء “اللواء احمد العقاد ” ، وغرفة العصر الاسلامي تمثل والدتها د. كوثر سليمان، التي كانت حريصة علي تحفيظهم القرأن الكريم ، ليحمل سقفها أيات قرانيه ذُكر فيها اسماء عائلتها ” احمد ، كوثر ، محمد ، مني ، عمر ” ،ولكن غرفة العصر القطبي تحتل مكانة في قلبها ، فحدثت صدفة ربانية اثناء تحضيرها ،فقاموا راهبات مصر القديمة بإهدائها كتاب العائلة المقدسة ،برغم عدم علمهن شئ عن هذة الغرفة .
ترجو د. مني العقاد من الله إن يعاينها علي فعل كل شئ يمكن أن يصل ثوابه لعائلتها في قبورهم ،” بدل ما كنت عايزة اموت ، حاسة إني عدي طاقة وافكار ربنا هيهديني ليها علشانهم ،اتمني كل الدعوات دي توصل لأهلي في قبورهم دي الشي اللي بيسعدني في الوقت الحالي “.