اندهش ..
تملكته الحيرة ..
عبثت به التساؤلات ..
غابت الإجابات عن سماء إدراكه ..
اشتعل فضوله وكادت نيرانه تلتهمه إلتهاماً ..
خفتت الرغبة في الحياة حتى انطفأت هي واستسلم هو لذلك ! ..
وانتظر ..
متأملاً مرة أخرى ذاته بعد إنسلاخها من عهدها القديم ..
وبعد أن تأمل ..
فهم ..
لامس الحقيقة بدلاً من أن يُلامس وهج القمر بأنامله ..
وعندما لامسها حد الإنصهار بها , إحترق وعيه ! ..
كاد أن يتلاشى هو لعالم آخر لم يخطو به خطوة واحدة من قبل ! ..
عالم المعنى .. مُستقر السبب والنتيجة ..
هي قصته التي سردها على مسامع الحياة قبيل أن يعلن لها عن هذيانه الأبدي ! , قصته التي سطرها بدماء إتزانه , سطرها وهو لم يعي من قبل أنها مهمته الأصعب على الإطلاق , قد تكون المهمة الأولى والأخيرة خلال رحلة وجوده , وهو في ذلك الحائر , تراكمت التساؤلات على عقله المسكين الذي رآه حينها بدائي لا يصلح بأن يرتقي لمرتبة العقل البشري القادر على تدمير الكون إذا أراد بين ليلة وضحاها ! , تساؤلات كادت تُهلك ما تبقى فيه من تماسك وثبات , وهي في ذلك المتمرسة وأما عنه فهو الضحية التي لا تملك حق الدفاع ! , وجده ثائراً في وجه ما تملكه من تشتت , تشتت لم يدعه بسلام هو الأخر , بل أزاد من واقعه قسوة ووحشية وأزال عن قلبه أسوار الإطمئنان , قد كان قلبه ينبض في سلام فما الذي أبدل سلامه لحروب لا نهاية لها ؟! ..
قصته لم تكن القصة الأولى من نوعها التي تُسرد على مسامع الحياة , بل هي القصة الوحيدة التي قد ملت الحياة من سماعها ! , أصبحت غير قادرة على تنسم تفاصيلها من جديد , لم تعد تتلهف لتقتنص أحداثها مثلما كانت تعهد نفسها ! , الآن هي تتلفظ تفاصيلها تلفظاً , أصبحت القصة التي لا تجذب كيانها كما كانت من قبل , فكم من إنسان قصها على مسامعها منذ بدء الخليقة ! , هي كالأطفال , يقتلها الفضول حتى تصل لنهاية المضمون وإن كان مضمونها خالي من المعنى لا جدوى منه , ولكنه إن سمعها من جديد يشعر بأن من يقص عليه تلك الملحمة المملة ” يأكل بعقله حلاوة ” ليس إلا ! , فقط ليكسب راحة باله ويضمن بقاء طفله صامتاً سارحاً بها , ولكن أطفالنا هم أصل البراءة , قد يغفروا لك خطأك هذا إن كسبت رضاهم بقطعة حلوى أوى لُعبة جديدة بدلاً عما دمروه ببرائتهم أيضاً , وأما عنها , فهي ليست ببراءة الأطفال هذه .. هي الحياة يا سادة , هي من تلقينا منها معنى الدهاء , فهل من مفر من دهاءها الآن بعد أن تتلمذنا على أيديها ؟! ..
فبرغم أن قصته لم تكن الفريدة , لم تكن القصة التي تستحق أن تفوز بمسابقات أفضل القصص وتستولى على أعرق الجوائز الإنسانية , إلا أنها ومع كل مرة تُسرد فيها تتضح معاني أكبر وأعمق من المرة التي سبقتها ! , ومع كل إنسان يقدم على الحياة ليروي لها قصته يحمل بين سطوره حروفاً من ذهب كفيلة بأن تُضفي عليها رونقها الخاص , تُنير دروباً من التميز , تجعل منها القصة المتفردة بما تحويه , وتجعل منه البطل الذي إستطاع أن يُبهرنا بمدى شجاعته طيلة أحداث قصته , منذ أن بدأها بــ ” كان ياما كان ” حتى يختتمها بسؤاله المعتاد ” حلوة ولا ملتوتة ؟ ” , فهو ومع كل ما يراه من تفاصيل متهالكة متكررة لا نفع فيها , إلا أن قصته تحوي حقيقة هامة لم يُدركها بعد , حقيقة لا تقل عما أطاح بإتزان سلامه من حقائق شريدة المأوى .. وأصبح هو مأواها الأوحد ! ..
لم يعي أنه بما تملكه من هذيان أصبح هو الأعقل ..
هو المرئي في كونه السراب ..
هو الصاخب في زمان إتخذه الصمت موطناً له ..
هو الحي في إنسانية تحلل بشرها وهم مازالوا على قيدها ..
هو البداية بحق , وإن كانت النهاية على مشارف البدء ! ..
نعم لقد إستحوذ العذاب على خطواته , وتملكه ورافقه وكأنه ظله لا يتردد في اللحاق به أينما كان , ولكن في ذلك معنى أقوى قادر بأن يُضيف الرقي لقصته تلك التي حسبها مناقضة للأبتكار ومنافية لإبداعه الذي ميزه كونه البشري , صاحب البصمة المختلفة .. فيه المعنى الذي يستحق أن يكون ختاماً لقصته , وبه لن تنتظر الحياة حتى تُصفق له على إبداع ما قصه عليها , بل وتمنحه وسام الإستحقاق .. إستحاق الإنسانية ..
والآن .. قصتي أختتمها بأن اُعلن للحياة ما توصل إليه إدراكي خلال إنفلاته من الجهل الممزوج بالسعادة والراحة المزيفة .. إن كان العذاب دليلاً على جدوى وجودي .. إذاً .. فلا ضير منه .. مرحباً به ..
فكيف وجدتم قصته الآن ؟ .. هل تُشابه قصتكم أم أن لكم نهاية مختلفة بمعاني أخرى ؟ .. الحياة تستمع إليكم الآن .. فلتفيضوا عليها بإبداعكم