تزخر مصر بكنوز تاريخية لا تقدر بثمن، فليست القاهرة وحدها التي تعج بالمباني الأثرية، بل كل محافظة ومدينة وقرية تخبئ بين دروبها حكايات قرون مضت وشواهد على حضارات متعاقبة. ومع ذلك، يبدو أننا نكتفي بترديد مقولة “ثلث آثار العالم” ونركز جهودنا على المعالم الأكثر شهرة، بينما يئن جزء كبير من تراثنا المادي من الإهمال والنسيان، بل وبعضه يتجاوز عمره مئات السنين ولم يُدرج بعد ضمن هيئة الآثار المصرية. آن الأوان لنستلهم من الدول التي تصنع من المنازل العادية معالم سياحية، ولنتوقف عن التفريط في ثروتنا الحقيقية.
٠
يُعرّف القانون كل ما تجاوز المائة عام كأثر، ويجب إدراجه ضمن هيئة الآثار. ورغم هذا النص الواضح، هناك مبانٍ وشواهد تجاوزت المائة عام بكثير، بل ومئات السنين، ولا تزال مهملة ومنسية. ليس هذا فحسب، فبعض المباني الأقل عمرًا، والتي ربما لم تتجاوز المائة عام، تحمل قصصًا وحكايات تستحق أن تُروى وتُستغل سياحيًا. هذه الكنوز المنسية، سواء كانت قصورًا، أو منازل قديمة، أو حتى تفاصيل معمارية بسيطة في شوارعنا، يمكنها أن تتحول إلى نقاط جذب سياحي لا تقل أهمية عن المعالم الكبرى.
التراث المنسي… فرصة للتنمية
إن إحياء وترميم هذه المباني التراثية لا يعد ترفًا، بل هو استثمار حقيقي يمكن أن يدر دخلًا كبيرًا لمصر. تخيلوا أن كل مدينة في مصر، بل كل قرية، يمكن أن تصبح مقصدًا سياحيًا بفضل معالمها التراثية الفريدة. يمكننا أن نقدم للسائح الداخلي تجربة مميزة بأسعار رمزية تشجعه على اكتشاف بلده، وفي الوقت نفسه، يمكننا رفع قيمة تذكرة الدخول للسائح الأجنبي، فكل مبنى وكل شبر في مصر، وحتى أغطية بعض غرف الصرف الصحي، قد تكون أثرًا وتراثًا أقدم من دول تدعي أنها حضارات حاليًا.
دور المبادرات الشبابية: “Cairo Makeover” نموذجًا
لا يمكن الحديث عن إحياء التراث دون الإشارة إلى المبادرات الشبابية الواعدة التي تعمل على تحقيق هذا الهدف النبيل. ومن أبرز هذه المبادرات حاليًا “Cairo Makeover”، التي أطلقها المهندس الشاب المصري مصطفى سالم. تهدف هذه المبادرة إلى لفت الانتباه إلى بعض المباني المصرية القديمة، وإعادة تصميمها لشكلها الأصلي بكامل تفاصيلها. وقد أكد المهندس مصطفى سالم على صفحته الشخصية عن تواصل وتعاون بينه وبين عدد من المسؤولين الكبار، منهم وزيرة التنمية المحلية، ومحافظ القاهرة، ورئيس الجهاز القومي، ورئيس الحي، وخبراء التنسيق الحضاري.
يقول مصطفى: “دلوقتي كلنا مجتمعين عشان نحافظ على تراثنا العمراني ونرجع نحيي مبانينا التاريخية. ودي آخر التطورات في رحلتنا. بالنسبة للعتبة ومبنى “تيرنج”، إحنا مش هنديله وش نظافة وبس. دلوقتي هدفنا إننا نرجع المبنى لشكله الأصلي.”
كما وجه المهندس رسالة هامة لأصحاب المحلات قائلاً: “أنا كمان عايز أقول لكل واحد من صحاب المحلات: ما تقلقش لو واجهتك صغرت. ما تفكرش لوحدك، أنا عايزك دايماً تشوف الصورة كاملة. التحسين والترميم هيساعدك وهيجيب لك ناس من نطاق أوسع. والأهم، بالرغم من دورك الصغير، بس لو اجتمعنا كلنا على نفس الهدف، والناس شافت الفرق، هتقلد وهتساعد إننا نوصل لهدفنا إننا نرجع ونخلي كل منطقة في مصر على أحسن وجه، بالشكل اللي يليق بيها. هنشتغل على مباني في وسط البلد، والكوربة ومناطق تانية إن شاء الله.” هذه المبادرات هي شعلة أمل تضيء الطريق نحو مستقبل أفضل لتراثنا.
دعوة للحكومة والمجتمع
إن المسؤولية في هذا الشأن تقع على عاتق الجميع. فالدولة، ممثلة في الحكومة المصرية ووزارة السياحة والآثار والجهاز القومي للتنسيق الحضاري وهيئة الآثار المصرية والمحافظات كمحافظة القاهرة والإسكندرية كمركزين للحضارات منذ البكالمه وحتي اليوم وبهم كن الاثار المنسية كثير كـ(سينمات ومدارس وكنائس ومساجد واسواق ومسارح وكافيهات بل ومقاهي وغيرها… )، يجب أن تولي كل الجهات المعنية بل وحتي المواطنين انفسهم اهتمامًا ودعم وتعاون أكبر لإعادة إحياء وترميم هذه الأبنية. وتشجيع وتدشين مبادرات شبابية مثل “Cairo Makeover”. يتطلب ذلك إعداد حصر شامل لهذه الكنوز المنسية، ووضع خطط واضحة لترميمها وتوظيفها سياحيًا. كما يجب أن يكون هناك تشجيع للمستثمرين المحليين والأجانب للمساهمة في هذا المشروع الوطني.
وعلى الجانب الآخر، يقع على عاتق المجتمع المدني والأفراد دور حيوي في التوعية بأهمية هذا التراث. يجب أن نغرس في الأجيال الجديدة حب تاريخهم وتقدير قيمة الأبنية القديمة. فكل مواطن مصري هو حارس لهذا التراث، ومسؤول عن الحفاظ عليه.
إن إحياء كنوز مصر المنسية ليس مجرد مشروع لترميم مبانٍ قديمة، بل هو مشروع تنموي شامل يعزز الهوية الوطنية، ويوفر فرص عمل، ويدعم الاقتصاد، ويفتح آفاقًا جديدة للسياحة المصرية. دعونا نعمل معًا لإعادة الروح لهذه الحجارة الصامتة، ولنجعل كل شبر في مصر يحكي قصة حضارة عظيمة لا تزال تنبض بالحياة.
هل ترغب في استكشاف أو ترشيح وذكر أمثلة محددة لمباني أو مناطق تراثية في مصر تعتقد أنها تستحق الإحياء والترميم؟