الرئيسية / المرأة والمجتمع / “هبة زين العابدين ” أول مدربة طبخ كفيفة في مصر

“هبة زين العابدين ” أول مدربة طبخ كفيفة في مصر

كتبت : هبة العقيلي 

بخُطُوات مُتحيرة تُريد أن تلبي رغبتها العارمة في اكتشاف تلك الغرفة ، فتتشبث يد الصغيرة بيد الأم لتطمئنها بإن ما يحدث هو المعتاد ، ولكن أذنيها تصف الاصوات التي تصدر من الأواني بإنها مخُيفة ، فتتَحَسَّسَ بيدها جميع الادوات الموجودة حولها علي الطاولة ، وتقترب خطوة بخطوة من موقد النار ، فتستنشق روائح شهية عابرة لجدار معدتها،  لتقف الأم بجانبها تُتابع وتنظر لها بعيون مُنقذة ، فتحرر ابنتها من خوفها و تألف الوقوف بمفردها في هذة الغرفة ،ليصبح المطبخ المكان الذي تطهي بداخله السعادة لعائلتها الصغيرة ثم بعد ذلك لغيرها من المكفوفين . 

“عايزين الحقيقة ومتزعلوش وفروا فلوسكم وتعبكم ، هبه ملهاش عمليات ونأمل في ربنا الطب يتطور ويكون ليها “ هكذا كانت الجملة الاولي التي نزلت كالصَّاعقة علي والديها بعد رحلة شاقه علي الأطباء للبحث عن أمل يُنير مستقبل طفلتهما التي قُدِّر لها أن تولد بأعين معتمة نتيجة لضمور لديها في العصب البصري، ليتعهد افراد عائلتها الصغيرة ان يتكاتفوا ليضيئوا حياة “هبة محمد زين العابدين ” بالحب والمساندة الدائمة لها .

تتذكر “هبة محمد” طفولتها المليئة بسعي والديها نحو ابتكار الطرق التي تجعلها تعيش حياة سوية كأقرانها من الاطفال ، فكان الأب يجلس بجانيها ليصف و يُردد أسماء الاجزاء المُكونه منها الألعاب الذي يقوم بشرائها لها من حين إلي اخر ، وتأتي الأم بورق كرتون لتجسم جسم الفراشه بعد ان تمنت طفلتها التعرف عليها ،و اما عن اصوات الاشخاص والحيوانات والمواصلات فكانت تُميزهم لها عند سمعهم للمرة الاولي ، لتصبح رفيقة لأبنتها في السير إلي مدرسة النور والامل للمكفوفين .

فتقول هبة بإمتنان ” كانت دايما بتمسك ايدي و بتوصف ليا الطريق ، علي يمينك شجرة ، هنا في سور حواليكي، احنا دلوقتي علي الدائري، فبدأت لوحدي اعرف الطريق “ وبدافع الحب والمشاركة طلبت الأم من المعلمين في ابتدائي ان تتعلم طريقة برايل للمكفوفين لتتابع مع ابنتها مذاكرة الدورس اثناء وجودها في المنزل ، فيسرع الأب لشراء ما يلزم لذلك من ادوات ” هما كانوا دايما بتعاملوا معايا إني شخص طبيعي من حقي اتعلم زي اي بنت في سني ” .

– تكريم محافظ  الفيوم لهبة زين العابدين في المرحلة الابتدائية –

فصارت هبة  طالبة يتردد إسمها بين مدح ودعاء المعلمين لها ، يقودها حب الإستطلاع للإشتراك في جميع الانشطة المدرسية   “الكورال ، المسرح ، الاذاعة والصحافة ، الاشغال اليدوية والذهاب لمعسكرات صيفية تجمعها مع ذوي المهم الاخري من الصم والبكم والإعاقات الذهنية ، ولم تغفل ان تتفوق دراسياً لتجعل والديها علي موعد دائم مع الفخر بتكريمها من محافظ الفيوم في نهاية كل مرحلة دراسيه لها ، فتصعد لتتسلم جائزتها بجمال واناقة في المظهر لا مثيل لهم حتي تشعر شقيقتها ” اسماء ” بإن المهمه الأحب علي قلبها قد تمت بنجاح .

– تكريم محافظ الفيوم لهبة زين العابدين في المرحلة الاعدادية –

” كان بيدعمني طول الوقت ، انا معاكي , روحي وتعالي ،ماتخافيش من حاجة ، لو حصلت حاجة هتلاقيني عندك في ثواني ، الكلام نفسه شجعني اني اقعد واكمل “ تحكي هبة عن تبني ابيها لحلمها الأول ، فكانت عاشقة للمسائل الرياضية والاشكال الهندسية وتتميز بخيالها الواسع لتري نفسها مهندسه اتصالات تارة و مهندسة ديكور تارة اخري ، لكن نظراً لطبيعة مدرسة النور والامل للمكفوفين تخصصت الفتاة في الشعبه الأدبية ، لتجد حلماً اخر يطردها ” مترجمه فورية ” ،

– صورة هبة أول يوم في كلية إلسن عين شمس –

– هبة مع صديقتها المقربة في الكلية ” ميار ” –

لذا كان عليها مواجهة عالم جديد يتطلب السفر و الاغتراب من محافظة الفيوم إلي محافظة القاهرة للإلتحاق بكلية السن جامعة عين شمس ، فيبني لها ابيها جدار من الأمان والثقة تتكأ عليه لمواصلة السير نحو طموحها “كنت بحكيله كل يوم تفاصيل يومي في الكلية وانا ماشية في التليفون ، كان دايماً شايفني جرئية ويُعتمد عليا وكل ما كان بيديني الحرية اكتر كل ما بيقي عندي دافع اخرج للعالم الخارجي واتعامل معه “ فمنذ دخولها إلي الكلية نجحت في تكوين صداقات حقيقية تعتز بها وتردد اسمائهن حتي الأن ” هدير وميار وهبة كانوا بيتعاملوا معايا كأني زيهم مُبصرة ، بيحكولي اسراهم واوقات بيقولوا ليا اننا بنتعلم منك الاصرار ، انا حقيقي فرحانه بصحبتهم اوي “ واخذت ايضا التميز العلمي صديق اخر لها لتصبح ” هبة محمد زين العابدين  ” الطالبة المثالية لجامعة عين شمس لعام 2017 .

– هبة يوم تخرجها من الكلية –

لتلتقي بعد تخرجها بقدوة حسنه وأب روحي لها ” م.محمد صبحي “ مدرب في مركز تاهيل حاسبات القوات المسلحة فكان يجعلها تزداد اصرار وتفائل بتشجيعه المستمر وكلماته التحفيزيه لها ، فأتقنت البرمجه علي يده، وأخذت العديد من الكورسات في مجالات مختلفة ” هندسة صوتية ، تسويق ،  الارشاد السياحي ” وهذا لحبها الدائم للتعلم والاطلاع بجانب تاهيلها لبدء حياتها العملية بعد التخرج.

وفي ذات يوم تذهب الأم إلي عملها وتعود مُنبهرة بما يحدث في مطبخها لأول مرة ، لتري هبة تتحرك بإنسياب بداخله ،تستخدم بتمكن ادواته حادة ، تشعل بحذر نيران الموقد، حتي اوشكت علي الانتهاء من وجبة الغداء في هذا اليوم ” كانت أول مرة ادخل المطبخ واعمل اكلة لوحدي ” .

– هبة في مطبخ منزلها –

ولم تكن المرة الأخيرة فأصبح  الدخول للمطبخ هويتها المفضلة ، فتبتكر كل يوم وصفات جديدة من قراءتها النصية للكتب او مشاهدة الشيفات المفضلين لديها “علاء الشربيني ، هلا فهمي ، نجلاء الشرشابي ” فتنتظر بترقب اراء عائلتها بعد كل طبخة وخاصة اخيها الاكبر  ” أحمد “ الذي يثنيها ويشتاق دائماً لأكلاتها ” كل اما كنت بنزل القاهرة كان بيقول انتي متغبيش تاني خالص احنا عايزين أكل كل يوم ” لتنجح اخر وصفاتها  ” الكنافة بالنوتيلا ” ولكنها تعترف بفشلها في بعض “الافتكسات”  ” كما تقول ” فأحترق الكاكاو في الزيت عندما اردات أن يصبح بديل للدقيق في عجينة الزلابيا .

– هبة في مطبخ منزلها –

إلي أن يضع القدر في طريقها فتاة كفيفة مثلها تسمي “دينا الحسيني “ جمعهما كورس الهندسة الصوتيه ، لتتحول تدريجياً هذة العلاقة إلي صداقة شديدة ، حيث في ذات يوم تصف هبة في مكالمة هاتفية طريقة عمل “كيكة الشوكولاته ” لدينا فتُخبرها الاخري بجروب علي الواتس اب لتعليم المكفوفين فنون الطبخ يضم العديد من الكفيفات في الوطن العربي، ليرجع فكرة هذا الجروب إلي د. إيمان الحسيني صاحبة مبادرة ” جوا الحلة ” وايضا كتاب للطبخ علي طريقة ” برايل “لتسهيل قرائتها للمكفوفين كما تعمل حاليا علي تطبيق لوصف الوصفات بصوت بشري للمكفوفين ليتواجد علي‏   ” App Store‏ -Apple” خلال اخر يونيو او أول يوليو القادم .

لتستعرض هبة زين مهاراتها في الطبخ ل د. إيمان الحسيني ،وتقترح عليها التعاون معاً من أجل الترويج والبحث عن مُمَوِّل للمبادرة في وسائل الاعلام ” بشكر استاذة إيمان لانها الوحيدة المُبصرة اللي فكرت تفيدنا وتساعدنا بشكل مختلف ،يلغي نظرة الشفقة والعجز من بعض المبصرين لينا ويثبت اننا نقدر ” .

كما اشارت  إلي أن هناك اولياء امور لم يكن لديهم الوعي الكافي في تربية ابنائهم المكفوفين ” في اهالي مش بيرضوا يخلوا اولادهم يشيلوا كوباية المايه في البيت او يخرجوا للحياة وبيتعاملوا مع الناس” لذلك نهدف من خلال المبادرة ان بإمكان كل فتاة كفيفة توظيف حواسها الأخري في المطبخ  “احنا قدمكم اهو وبنتعامل عادي وقادرين نعمل كل حاجة انتوا بتعملوها “حيث نعمل جاهدين للاستعداد إلي عمل كورسات علي ارض الواقع و اون لاين حتي يتخطي نجاح المبادرة إلي جميع إنحاء العالم وليس فقط الوطن العربي .

” انا بحلم اني اكون شخصيه ناجحة وناشطه وفعاله تفيد مجتمعها ، مفيش فرق بين كفيف و ُمبصر “ بشغف يسع العالم وصفت هبة زين حلمها الذي يكمُن في قلبها منذ الصغر، لترسل لغيرها من الكفيفات رسائل داعمه لحياة طبيعية مليئة بالاحلام ” انتي زيك زي اي بنت مش معني أن ربنا خد منك نعمة البصر أن ناقصك حاجة ، هو عوضك بنعم وقدرات تانيه في حياتك ،عيشي واحلمي واكتشفيها “ لتختم حديثها بمقولة تحفيزية نُرددها جميعاً للنجاة من ظلمة الحياة  “لاحياة مع اليأئس ولايأئس مع الحياة ” .

 

شاهد أيضاً

وفاة طالب أثناء لعب كرة القدم بأحد الملاعب فى العجوزة

كتبت: مي وليد لقى طالب مصرعه أثناء لعب الكرة في أحد الملاعب بالعجوزة، وأشارت التحريات …