الرئيسية / أخبار وخدمات / موتى بأجساد أحياء ! .. ظاهرة سكان القبور .. بين الفقر وقلة الحيلة , والهرب من القانون ! .

موتى بأجساد أحياء ! .. ظاهرة سكان القبور .. بين الفقر وقلة الحيلة , والهرب من القانون ! .

كتبت: نورا محمد

تولد .. فتأتي دُنياك بصرخة تُزلزل الأبدان .. تُعرقل هدوء البشرية للحظات , وكأنها صرختك الخاصة التي تُعبر فيها عن فزعك مما قد جئت إليه , من حاضر تجهل كيف تُجاريه ومن مستقبل تخشى أن تُفكر في أمره , مُبهم .. غامض أمام عقلك المحدود , فتقف أمام كل هذه الحيرة ولا تجد إلا أن تصرخ وتُطيل فيها حتى تُنبه الحياة بأنك لم تكن تود أن تراها ! .. ولكنك لا تملك حيلة أمام وجودك , فقد قُضي الأمر وأراد الله أن تصبح , أن تكون من العدم .. فتغدو بطرقات الحياة , تارة تتمايل نحو اللاشئ , وتارة تُعيد إتزانك من جديد فتسلك دروباً من المعنى , تشهد لحظات يتعدد فيها معنى الصراخ , فصراخاً شهدته أنت نفسك في تدوين لأول لحظات حياتك ورأيت فيه البشرية يُقابلونه بالفرح بهذا الكائن الذي يكاد لا يُرى بالعين المجردة ! , وعلى الرغم من ثورات الغضب داخلك حينها إلا أنهم لم يلتفتوا لذلك وأعلنوا الأعياد بقدومك .. وصراخاً شهدته أيضاً ولكنه غير محدد الموعد , يأتيك دون أن تحسب له حساب , يأتي لأقرب الأقربين دون أن تشاركهم لحظاتهم الأخيرة , فأين الوداع ؟ , أين نظراتك إليهم التي تتشربها روحك ؟ , وبعد أن كانت صرخات تبعث السعادة والإقبال , أصبحت صرخات التعاسة والنحيب ! ..

 

من العدم تصبح الشئ , ومن كل شئ تصبح العدم .. 

 

هي رحلتك المُحتمة , فلا مهرب منها سوى إليها , لن تقوى على الفرار من قبضة القدر , تُعافر حتى تعبر مرحلة اللهو إلى مرحلة النضج , ولكنك لن تبذل جهداً حتى تعبر مرحلة الحياة إلى مرحلة الموت , فإن كنت تحيا بأعظم القصور أو تُلقي بجسدك النحيل على أرصفة الطرق تتضور جوعاً .. فالنهاية واحدة و الموت واحد , ولن يُفرق بين هذا وذاك .. 

 

بعد أن تُنفخ فيك الروح .. تصعد هي للسماء وتُدفن أنت بأرض دُنياك .. وبعد أن يجتمع الخلق على فرحة قدومك , يتفرقوا بعد أن يُشيعونك لمحطتك التالية .. القبر .

 

وبعد أن يتفرق البشر من بعدك , وكأنك لم تكن يوماً ما ! , يستكملون طريقهم , لا ينهش فيهم الحزن سوى لدقائق وبعدها يتسارعون على إقتناص السعادة والمتعة , يسعون في الأرض فــ يُرزقون .. ولكنك على الجانب الأخر تجد من يتقاسمون معك حيزك البسيط , بصرخات جديدة , بنحيب أخر , بضيف صادفته طيلة رحلتك الدنيوية أو لم تُصادفه لحظة , من مشرق الأرض وأنت من مغربها , من شمالها وأنت لم تعبر خارج حدود الجنوب يوماً , فقط يتقاسم معك موضعك في انتظار المحطة التالية .. هو أمر ليس بالعجيب .. 

 

ولكن ماذا عن الأحياء الذين يتقاسمون معك ذلك ؟! .. فهل ضاقت بهم الأرض حتى يُجاورون من ترك لهم الحياة برمتها واكتفى بأقل الأمتار ؟!, هل من حق الخلق أن يستكثروا عليه هذا الحق البسيط الذي لا حيلة له فيه من الأساس ؟! ..

 

و عبر الكلمات يمكنك أن تخوض معنا رحلة بسيطة لنستكشف سوياً من هم هؤلاء البشر وما هي دوافعهم لذلك .. 

 

هم ” سكـــــان القبـــــور ” كما يُطلق عليهم .. لا تجد ملامحهم تختلف عنا إختلافاً ملحوظاً , فقط إستقر الفقر على ملامحهم وأخذ يطغي على إبتسامتهم , فحينما تراهم تعرفهم , أشاع الفقر فيهم فلم يجدوا سوى أن يرتموا بأحضان الموتى ويتخذوه مأوى لهم من أنياب الأحياء , من قبضة الحياة , ومن لامُبالاة المسئول عن توفير حياة كريمة لهم .. حيث الصمت والهدوء , حيث العِبر التي يتشربونها في كل لحظة تمر عليهم وهم في حضرة العدم , في حضرة السابقون وهم في ذلك على يقين بأنهم اللاحقون , ينتظرون أجلهم في سلام , وبدلاً من أن يُدبروا لأنفسهم موضع أكثر أمناً ليقضوا فيه ما تبقى لهم من وجودهم , الآن هم ينعمون برضا في حضرة الأموات , يُجاورون من سبقهم من جيرانهم الموتى ..

 

ولكن .. هل تسود تلك الظاهرة في مِصرنا الحبيبة وفقط ؟ .. أم أن الأموات أصبحوا الجيران الأكثر رفقاً بهم عن البشر في جميع أنحاء العالم ؟ ..

 

قد تجد الإجابة قاسية بعض الشئ , ولكنها الحقيقة فتقبلها وإن كانت مُرة كالحنظل ..

 

لم يقتصر الأمر على مصر وفقط .. فقط تخطى ذلك حدودنا .. حيث وُجد أن قرابة 60 عائلة سورية تتخذ مقابر مدينة ” بعلبك اللبنانية ” مسكناً أمناً لها ! , وذلك يعود لتفاقم إزدحام أحد المُخيمات وهو ” مُخيم الجليل ” وأصبح غير كافياً لإستيعاب الأكثر , ولكن قبور الموتى كانت المقصد والأكثر اتساعاً لهم .. 

 

وأشارت الأرقام أن أكثر من 60 بالمئة من المواطنين الإيرانيين قد وجدوا عجزاً كبيراً في الموازنة بين دخلهم وبين ما ينفقوه ، حيث أن البلاد تُعاني من معدلات بطالة تتراوح ما بين 6 : 8 مليون مواطن ..

 

وعليه .. فقد أثارت ظاهرة سكان القبور بالعاصمة الإيرانية طهران ضجة قبل عدة أشهر ، داخل إيران , بعد ما نشرت صحف رسمية صوراً صادمة عن هؤلاء الفقراء ..

و هو الحال أيضاً في قطاع غزة .. فكان لأحدهم النصيب بأن يكون من سكان المقابر هناك بل ويرثه أباً عن جد ! .. حيث أنه نشأ بين رُفات الموتى من بعد وفاة الأم , فتسلم هو من بعدها إرثه من التراب ! , وتقاسمته معه الزوجة والأولاد حتى اصبح هو موطنهم الأصلي بعد أن سُلبت منهم أرضهم .. وذلك في مقبرة المعمداني الذي يضم أكثر من 25 أسرة ..

 

فيقول : لا كهرباء أو ماء أو صرف صحي أو أي خدمات أخرى .. وتابعت زوجته قائلة : قُصف منزلنا كله والملابس احترقت وحتى الفراش الذي كنا ننام عليه , كما حُرق المطبخ , وأنا الآن غير قادرة على تلبية احتياجات أطفالي .. 

إذاً فالوضع لا يقتصر على حدودنا وفقط .. بل هو تعدى كل الحدود ! .. الحق أنه تعدى حدود الإنسانية ! ..

 

وأما عما نواجهه في مصر فالأمر قد تخطى الهذيان وبحق ! ..

 

فالبداية تعود لأكثر من قرن من الزمن .. وتحديداً منذ 1898 , وحينها كان تعداد من يقطنون المقابر حوالي 10 الآلاف ساكن وذلك في مقابر القاهرة الفاطمية .. حتى وصل تعدادهم لحوالي 50 ألف بحلول عام 1944 ..

 

ومع تزامن ثورة 23 يوليو بعام 1952 تفاقمت الأوضاع والأرقام .. حتى أصبح 8٠ الف ساكن بمقابر القاهرة ومحافظات مصر بأكملها ..

 

ولكن ماذا عن الوضع الآن ؟ .. ماذا عن التعداد الذي قد توصل إليه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء ؟ ..

 

توصل الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء إلى التعداد الرسمي لسكان المقابر في القاهرة وجميع محافظات الجمهورية حيث أصبح بعامنا الماضي 2020 .. قرابة الــ 5 مليون ساكن ! , وذلك في 25 محافظة مصرية من بينها إقليم القاهرة الكبرى الذي يتضمن ثلاث محافظات : القاهرة , الجيزة والقليوبية بتعداد يساوي المليون ونصف ساكن ! ..

قاربت الأعداد إلى مستوى الذروة ! , وأصبح السؤال التالي هو .. ما هي الدوافع حتى يجاور أحدنا رفيقه وهو يتحلل ؟! , ما هو مُبرره وإن كان لا يمس المنطق ؟ , ما العائد الذي يراه جديراً بأن يعتزل البشر ويصبح فرداً متأصلاً من أفراد الموتى ؟ .. حيث رائحة الموت وسيناريوهات ” العفاريت ” .. كيف أصبح الأمان بجوارهم وأصبح الرعب هو في حضرة الأحياء ؟! ..

 

تتعدد الأسباب وتختلف من ساكن للأخر .. 

 

فلأحدهم مبرره في ذلك بقوله : ” المقابر فتحت لينا أبوابها من غير ما تاخد مننا أبيض ولا اسود ” .. فقد وجد رغده وهناءه في إنعدام مقابلاً يُدفع , فما من إيجار يتحكم به صاحب الملك في المُستأجر ويُمكنه من طرده وقتما أراد وكما يحلو له دون رحمة بشأنه البسيط , وما من ” فواتير ” تُدفع شهرياً حتى يتمكن من رؤية أنامله دون إنقطاع الكهرباء ودون أن يجاور صديقه المُتحلل بسبب تضوره عطشاً بسبب إنقطاع مياة الشرب عن بدنه .. فالعيشة رخاء , والبال مرتاح بعيداً عن ماديات البشر و ” جشعهم ” ..

 

وأحدهم يجد أن مبرره يتلخص في : ” ما أنا بشتغل تُربي , همشي وأسيب المكان لية لما ممكن أسكن ف نفس المكان ” .. فقد وجد أنه بذلك ” ضرب عصفوين بحجر واحد ” , فهو صباحاً يُدفن من فارقونا ومساءً يجلس وسط أسرته ويؤنس وحدة رفيقه في لياليه الحالكة المفزعة ,, 

 

والأخر يُبرر موقفه بقوله : ” بيتنا وقع , ملقيناش غير المقابر نكمل فيها ” ..

 

وهنا .. تكمن المشكلة الكبرى ! .. يأتي دور المسئولين في حل تلك المعضلة الإنسانية , فأخذوا يتساءلون / أين حقنا في حياة أقل من بسيطة ؟! , فقط ليشعروا بإنسانيتهم لا بكونهم موتى يسيرون بقلوب لا زالت تنبض , ولكنهم في الحقيقة .. دُفنوا منذ زمن ! ..

 

” الطوبة وقعت في المعطوبة ” ..

 

هو مثل شعبي مصري يُطلق على ما نحن فيه الآن , فقد تحقق ما لم يكن في الحُسبان , تحققت أمام أعيننا الكارثة , هي ليست بحُلم أو توقعات , هي حقيقة ملموسة الآن .. ولكن هل لهذه الكارثة تبعات ؟ .. 

 

فما هي نتائجها على المجتمع ؟ .. ما هو العائد السلبي علينا نحن ؟ , وعليهم ما هي الأضرار ؟ ..

 

تنقسم إجابة هذا السؤال إلى عدة جوانب .. 

 

1- جوانب صحية 

 

2- جوانب إجتماعية

فــ بالنظر إلى تبعات هذه الكارثة من الناحية والجانب الصحي فتجد أن الأوبئة والأمراض تتخذ من هذه الأماكن منبعاً لها نحو الإنتشار , وما نحن سوى البداية لكل هذه الملوثات , فإذا اعتبرنا أن لكل مقبرة يسكنها أكثر من خمس عائلات , فهل تتوقع أن تكون النتائج لصالحنا ؟! , مخلفات كل اسرة تكفي لنشر أوبئة لا حصر لها , فماذا عن ملايين الأسر التي إجتاحت القبور حتى اللحظة وهي في تزايد مستمر , فما من مصرف لهذه المخلفات , الحقيقة أن الحل الوحيد للقضاء على هذه المشكلة هي مجرد ” نظرة ” .. نظرة لهذه الفئة ولمتطلباتهم , أصبحت أمراضهم تتفنن في نهش أجسادهم يوماً بعد يوم , ومع ما تُخلفه القبور من ميكروبات قد تكون في بعض الأحيان ” قاتلة ” إزداد الوضع سوءاً بمن يقطن بها ! ..

وبسؤال أحد أساتذة الباطنة والجهاز الهضمي أوضح أن أي منطقة عشوائية تنتشر فيها الجراثيم والبكتيريا بسبب سوء التغذية والطعام والشراب الملوث , وبالتالي يتعرض أهالي المقابر لأمراض عديدة نظرًا للبيئة التي تحيطهم، ومن أبرز الأمراض التي يتعرضون لها النزلات المعوية والفيروسات .. كما أن أمراض الجهاز التنفسي و الدرن من بين الأمراض التي تُطارد صحتهم وتمثل خطورة عليهم ..

 

وأما عن الجانب الاجتماعي فهو الكارثي وبحق !! 

 

ففي بعض الأحيان تصبح القبور مأوى أيضاً .. ولكنها ليست مأوى لمن لا مأوى له وحسب , بل لأصحاب الأعمال التخريبية بمختلف أشكالها .. 

 التخريب بالإتجار بالمخدرات و السلاح , بل وأصبح الحيز الأكبر يشغله أصحاب الأعمال والأسحار والشعوذة , فهو بمثابة ” وكر ” لمن يختبئ خلف هواه , حيث أن البداية لهؤلاء تعود إلى كونهم يستقرون بهذه المناطق , فما من رقيب عليهم , فهل يقوى الموتى على العودة للحياة من جديد ويُلقنوهم درساً في الأخلاق ؟! , ” اللي مات مات خلاص ” .. وهو ما يجعلهم مُطمأنين حيال ما يفعلوه .. وأما عن جرائم القتل فهي بيئة مناسبة لإرتكابها , فكم من جريمة تم إكتشافها بمثل هذه الأماكن .. وأما عما يُدفن فلم يقتصر على الموتى وفقط , ثمة أسحار وأعمال تم إكتشافها تحت أجساد الموتى التي نهشها التراب ! , وفي هذا الشأن تحديداً فحدث ولا حرج , وعن عمليات السرقة بالإكراة وخطف الأطفال فقد أصبحت الكثير من الأماكن هناك بيئة خصبة لإرتكابها ! ..

 

وبسرقة جثث الموتى والتجارة بها بهدف الدراسة أو بهدف الربح فهي كارثة لا تقل عن الكارثة الحقيقية , فمن يمتهن نبش القبور أصبح يُطلب بالإسم , ومكانه معروف , فقط ما عليك سوى أن تقصد تلك المناطق وتسأل عن فلان الفلاني , فلك ما يحلو ويطيب من جثث على كل شكل ولون ..

 

وأما عن الحلول فهي تتمثل كما ذكرنا في ” نظرة ” إليهم وما هم عليه الآن من حالة يرثى لها .. منحهم الحق في حياة كريمة تحافظ على إنسانيتهم من الهلاك .. بتوفير مأوى آدمي لهم واللحاق بهم حتى لا يصبح حالهم كحال ما يقيمون على أعتابه .. 

نظرة شاملة ومتابعة مستمرة تنقذ ما يمكن إنقاذه من أخلاقيات وسلوكيات وجوانب صحية واجتماعية ..

فهل يمكن تطهير محطة الأحياء الأخيرة من أعمال لا تمت للإنسانية بصله ؟ , يبقى السؤال مطروحاً والإجابة قيد البحث ! ..

 

شاهد أيضاً

انخفاض أسعار الذهب 40 جنيها

كتبت: مي وليد شهد سعر الذهب في مصر منذ فتح التداول على الذهب اليوم الأربعاء …