الرئيسية / الرأي والرأي الاخر / عيد الأضحى المبارك بين فيضى التعقل والرحمة !!

عيد الأضحى المبارك بين فيضى التعقل والرحمة !!

تقديم :- عبد المحسن العثمانى

عيد الأضحى بين فيضي التعقل والرحمة !! **********************************

بقلم :- أ. د . محمود فوزي أحمد بدوي
أستاذ أصول التربية ووكيل كلية التربية – جامعة المنوفية

للرحمن في خلقه آيات ومسالك للتعقل والتدبر، لو وعى العقل بعضًا منها نال حظًا وافرًا من الحكمة والمعرفة وصار صاحبه بين العالمين نبراسًا كريمًا لكل هدى وأملاً لا ينقطع رجاؤه في قلوب المحبين!

الله الخالق البارئ المصور والمقدر بعظيم تقديره وتدبيره يجعل لعباده برحمته منهلاً مستفيضاً من إتباع الهدى والفوز بما وهبه للتفكر والاجتهاد والسلوك القويم، فتسعد أوصالهم وتستقر في الخلق أحوالهم، مدادًا كريماً بالرحمة والإشفاق واصلاً، ممنوحاتك يا إلهي هي النور الذي تشرق به النفوس، وهي الدرب الذي مآله رضاك والفوز بجنتك، لم تخلقنا عبثاً ولم تمنحنا القدرة على الوصول إليك، والتمسك بصراطك المستقيم، إلا لأنك يا حبيبي قد أكرمت بني آدم ومنحتهم ما لم تمنح أحداً من خلقك وجعلت لهم من الرضا بالوصل الكريم منك نصيباً مقسوماً.

والإنسان ليس خلقاً قد اكتمل في مقصد خلقه لكي يحيا بالقوانين التي تحكم وجوده وخلقه فقط، وإلا صار شيئًا عادياً وكذلك صار تكريمه قدراً يسيراً في قصد الخلق، فمرادك باكتمال خلق الإنسان وإحكام الخلق يا رب أعظم وأعمق وأقوي، سبحانك خلقت الإنسان ونفخت فيه من روحك، ووهبت له أفضل صوره وخلقه، لا ليحيا هكذا على السجية، ولكن ليقترب من نورك ولينعم بالتضحية من أجلك لأن التضحية هي الاعتلاء في السلوك ومكانه الأثر الكريم الذي أقدرته لمن قصدك وترك وراءه ما ينشغل به العاديون والذين تحركهم نوازعهم الذاتية، ومقاصدهم البسيطة «الآنية» في الهدف والسلوك!

يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا، لم تكن الرؤيا للتمرير على العقل ليقبل صاحبه، أو يرفض بالتقدير البسيط العادي لأي إنسان قد يفكر بالقانون الطبيعي الذي يحكم سلوكه واختياره، ولكن الأمر الكريم أن الله قد أمر، وما أمر به الله هو أقوى وأكرم وأجدى في العبادة من مجرد الوقوف والتفكير في الفعل من عدمه!، إن الخليل قد أخذ على عاتقه التنفيذ ولم يأبه على الإطلاق بمراد الله، ولم يقف عند الأمر لماذا وكيف؟!، لماذا كان إبراهيم الخليل على هذه الصورة، والله إننا لنمر على الآيات وقد عقلنا منها الشيء اليسير، ولم ندرك منها عمق الأمر الإلهي وتقدير الكريم لعباده المتقين!

إن الله الخالق الرحيم الحكيم قد أمر إبراهيم بذبح إسماعيل وهو فلذة كبده من يحبه الحب العظيم، ومن هو أقرب إليه من نفسه، ومن جاءه بعد صبر عظيم، ولكن إذا كان الرحمن هو من يطلب العطية، وهو من يسترجع من عبده ما منحه من نعمة ولو كانت هي قلبه وروحه، فماذا يكون أمر العابد الحق المحب الحق المقدر الحق الكريم القدر الموصول بربه، يكون.. لبيك ربي فأنا وما أملك ونفسي وروحي وكل أمري هو ملك لك وهو عطيتك، وهو أمني منك ورجائي إليك، نسعى في الخلق والحياة ليرضى عنا ربنا ويمنحنا رضاه وتكون لنا الجنة والنعيم، فإذا طلب الحق منا استرداد العطية فعلينا بالطاعة وعلينا بالامتثال الكريم، وعلينا أن ندرك أن هذا هو الحق وهذا هو أقرب إلينا وأنفع لأننا لله خالصاً، ونحن صنيعه، وكلنا له كلا وجزءً.

وهكذا نضحي بما قد يسبب لنا سعادة لكي نمنح السعادة الحقة من الله والقرب الكريم بالله لأنه المتفضل ولأن ما لنا هو له، وما بيدنا بيده، وما نعطيه هو عطيته، إننا ليجب أن ندرك أن منا وفينا نور الله، ولنا من النور الكثير، فروح الله منا وفينا، وهكذا يستقيم العقل مع الروح والقلب، ويمتثل الجسد لينفذ أمر الله، وليفوز بأنه خالص لله دون النظر إلى ما يصرفه عن حبيبه، لأن الله هو الحبيب، وهو أكرم من الوجود بما وعى وأعظم من العظمة بما أعجزت وأرحم من الرحمة بما رحبت، لأنه الخالق العظيم القيوم المحب لعباده المخلصين..

لقد من الكريم على عبده الخليل مرتين مرة لأنه كرمه بالأمر الكريم، ومرة لأنه وهبه مرة أخرى ما قد أعطاه إياه فلذة كبده، «وفديناه بذبح عظيم»، الله يحب رسوله، ويحب ابن رسوله، وينعم عليهما بالرضا الكامل والعطية الكريمة بمنح الحياة، فالله هو مانح الحياة، وهو من يمنح القلب والروح والجسد الاستمتاع بها، فمتى عندما يكون العباد على تقواه ويلتزمون مبتغاه، وتتجرد في الحياة أوصالهم ومقاصدهم ليكونوا بحق من يرحمهم الحبيب بفائق رحماه، لينعموا بالكرامة ويقين الاستقامة تدبرًا كريمًا وتعقلاً حكيمًا يمنحهم رحمات الإله فيضًا وأمنًا ونوراً.

لبيك ربي في علاك، أملاً واصلاً لرضاك فأمري منك ورجائي إليك، وكل روحي ومراد نفسي لك خالصاً، فامنحني القدرة على الطاعة، وأدم علي فضلها، وارزقني الثبات عليها، وأكرم بما تمن على عبدك ليسعد بحياة الرضا وهي وصل مولاه ذكرًا خالصًا دائماً في العالمين. اللهم آمين.

 

شاهد أيضاً

حكاية مثل شعبى «إقلب القدرة على فمها تطلع البنت لأمها»

كتبت :دعاء منصور مثل نسمعه كثيرا، وهو منتشر فى كثير من البلاد العربية، باختلاف بعض …