الرئيسية / غير مصنف / ظاهرة العنف والتردي الأخلاقي والسلوكي بالمجتمع المصري (نظرة تحليلية)

ظاهرة العنف والتردي الأخلاقي والسلوكي بالمجتمع المصري (نظرة تحليلية)

ظاهرة العنف والتردي الأخلاقي والسلوكي بالمجتمع المصري (نظرة تحليلية
************************************************
بقلم أ.د. محمود فوزي أحمد بدوي
أستاذ أصول التربية، ووكيل كلية التربية –جامعة المنوفية يتسم المجتمع المصري بسمات تجعل منه مجتمعا متمايزا على مستويات كثيرة تاريخية وحضارية ودينية وخلقية وسلوكية، وهذا التقرير ليس على سبيل المجاملة، بل تدل الشواهد الكثيرة على ذلك، فنستطيع بقليل من الجهد أن ننظر الى الأسر المصرية وعاداتها وتخلقها، ونستطيع كذلك أن ننظر الى قيم وعادات وتقاليد المجتمع المصري (ريف أو حضر)، والتمسك بالأصول التي تضبط مسارات التفاعل وتحدد ما هو مقبول وغير مقبول، ما هو نافع أو ضار، ما هو حلال أو حرام ..الخ .
سيقول البعض لقد تغير المجتمع ولم يعد كما كان، فهناك متغيرات كثيرة لعبت دورا خطيرا في زعزعة أمن واستقرار المجتمع، وأدت الى تغييرات عميقة في مسلكه وفي تجاوبه، بحيث أصبح الحق غير واضح والقيم معكوسة، وما هو حرام صار مقبولا ومستساغا، وأصبحت الأشياء لا تعرف بنفعها إلا بما يحقق للإنسان السعادة وليس لأنها تتسق مع الدين أو القيم أو العرف أو التقاليد الاجتماعية …!
نعم تلعب وسائل التواصل الاجتماعي بكل تأثيراتها ومسالكها غير المراقبة وفي انفلاتها الأخلاقي في بعض أوجه التواصل، وفي ظاهرة التنمر بها، والتشابك والتشاجر، والمظاهر السلوكية غير الأخلاقية من نشر لصور أو فيديوهات أو بوستات لا تتسق مع القيم أو الضوابط المجتمعية أو الدينية، دورا خطيرا في تشكيل السلوك وفي تغيير الاتجاه وفي استلاب العقول وفي حالة التيه والتشتت وفقدان المثل والقدوة، وعم الانصياع للتوجيهات أو الارشادات ..الخ ..
وكذلك لتردي الدور المتوقع للأسرة المصرية ، وانشغالها عن تربية الأبناء ورعايتهم ، وضعف تأثيرها على مسارات الأبناء التفاعلية سواء أكانت الكترونية أو اجتماعية ، وأيضا غياب الدور التربوي للمدرسة والجامعة ، وضعف المساحة التي تعملان من خلالها لتوجيه الأبناء وإمدادهم بالقيم والآداب الاجتماعية والسلوكية ، وفي ترك المساحة للمربي الالكتروني ، وفراغات الشوارع والمقاهي وأماكن التجمعات الشبابية غير المراقبة ، وقضاء أوقات كثيرة في سناتر الدروس الخصوصية دون رقابة أو متابعة حقيقية ، ذلك لضعف الدور الذي ينبغي أن تقوم به ادارات التعليم والمدارس والأسر ..
هذا إضافة الى ضعف الخطاب الديني في تشكيل ورعاية نمو أفراد المجتمع ، وفي تمكينهم خلقيا وسلوكيا ، لأن من يقوم بهذا الأمر قد يكون مغاليا أو ليست لديه المهارة الكافية أو متشددا أو يميل للظهور الاعلامي والالكتروني دون صدق أو إخلاص حقيقي لما ينبغي أن يقوم به … ، وكذلك فما يحدث في وسائل الاعلام وفي القنوات الأرضية والفضائية من أفلام ومسلسلات وبرامج كثيرة لا تراعي الدين أو القيم أو العادات السلوكية للمجتمع وتكوينه ، ولا تتحمل رؤية واضحة ورسالة تعمل على إزكائها وتفعيلها .. ، وكذلك تسليط الضوء على نماذج فنية أو رياضية أو استعراضية ، وتقديمها على أنها النموذج الأكمل والأفضل في مسيرة الحياة دون التركيز على العلماء أو المفكرين أو المبدعين أو أصحاب التجارب الناجحة في الحياة …
يضاف لما سبق ضعف فرص العمل، وأوقات الفراغ الكثيرة التي تستوعب على الشباب رغباتها وتحيلهم الى هلاك محقق جراء ضعف تلبية الدافع، وعدم القدرة على الزواج وبناء الأسرة في أجواء ضاغطة وتدفع صاحبها الى فعل أي شيء للحصول على المادة ..
وهناك بعد آخر وهو هجر الدين والبعد عن تعاليمه الكريمة ومنهجه الوسطي العظيم في تشكيل الانسان وفي تمكينه أخلاقيا وسلوكيا، لكي يعيش ويتعايش، ويشعر بقيمة الوطن والانتماء إليه، وأهمية العمل الكريم الملخص لرفاهية المجتمع ورقيه وتوازنه …
ولعل ظاهرة العنف والحدة في التعبير عن الرغبات والميول، وفي التدمير والقتل والخروج عن السياق المجتمعي، مرجعها في كثير أو قليل لما سبق ذكره، وفي استشراء مشاعر الحرمان والاستبعاد الاجتماعي والتهميش وضعف الاستماع للشباب أو التحاور معهم أو مشاركتهم أحلامهم وما يطمحون إليه، وفي خلق فرص حقيقية لإثبات الذات سواء بالعمل أو الابداع أو التشارك المجتمعي في أقصى معانيه …
نعم كل ما سبق أثر في قليل أو كثير على واقع المجتمع المصري، وعلى تشكيل حالة مفزعة من الانفلات والشذوذ والبعد عن جادة الطريق، وفي التأثير كذلك على مكنون الأفراد أو توجهاتهم الاجتماعية أو المستقبلية، وفي استشراء ظاهرة العنق والتمير والقتل ..، ولعل ذلك يتطلب عدة حلول أو اجراءات عاجلة للخروج من هذا النفق المظلم ، أو لاستعادة حالة الاستقرار والاتساق القيمي والأخلاقي الذي يتسم به المجتمع المصري …، وهي :
– عودة المدرسة بمناهجها الكريمة وفي التركيز على القيم المستمدة من الدين، وفي ممارسة الأنشطة وتفريغ الطاقات وفي التحاور وحل المشكلات الشخصية وذات الطابع الاجتماعي.
– التركيز في تربية الأبناء من خلال الارشاد الأسري وتمكين الآباء من هذا الدور.
– تسليط الضوء على نماذج القدوة من المبدعين والعلماء والمفكرين والأئمة والمبادرين …
– احتضان الشباب والعمل على تلبية رغباتهم واتاحة الفرصة لهم ليشاركوا المجتمع همومه، وأن يكونوا نافعين فيه ومبادرين وأصحاب همة وريادة …
– تدريب الأبناء على التواصل المتوازن والمنضبط على مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك في متابعة القنوات التليفزيونية الأرضية والفضائية، وكذلك مواقع التواصل الالكترونية على اطلاقها ..
– الارشاد الوقائي من سيطرة المحمول على جنبات التواصل، وتأثيراته السلبية على الوجدان والسلوك، واضاعة القيم والاستلاب العقلي والذهني، والإدمان الالكتروني الذي يعصف بالإرادة ويضيع الوقت ويقوض الهمة، ويزعزع الأمن الفكري أو الاجتماعي …الخ .
– الارشاد الديني المتوازن من خلال تكثيف البرامج واللقاءات الدينية والندوات مع الأئمة والرواد، وخلق حالة من التجاوب الايجابي مع صحيح الدين ومنهجه الوسطي في معالجة الأمور أو القضايا.
هي دعوة لإعادة النظر والتفكير بعمق فيما سبق، لأن الأمر خطير وترك معالجته أخطر ..
والله الموفق والمستعان لخير العمل …

 

شاهد أيضاً

ارتفاع بدرجات الحرارة يبدأ الثلاثاء

كتبت: مي وليد أشارت هيئة الأرصاد الجوية، إلى أنه من المتوقع أن تصل درجات الحرارة …