الرئيسية / مقالات / *سكان مقابر القاهره…حياة وسط موتي

*سكان مقابر القاهره…حياة وسط موتي

كتبت الصحفية :ياسمين علاء

تغلف الحياة كل شبر في القاهره حتي المقابر حيث اضطر كثيرون الي مجاورة الاموات وراي آخرون الي مجاورة الاموات وراي من الميت بكل شي حتي لو كان القبر نفسه تاريخيا أقام المصريون مقابرهم علي أطراف القاهره في الصحراء الجرداء لكن أطراف الامس باتت في عمق أحشاء المدينة التي لا تسام الزحام والحياة لم يعد سكان المقابر ظاهره تفاجئ أبناء القاهره فالجميع يتعايش مع هذا الواقع سواء أصحاب المقابر أو سكانها من الأحياء أصحاب المقابر يدركون أنهم في حاجه لمن يحمي المقابر من النهب وسكان المقابر يجبرهم الفقر وضيق الحال الي مجاوره الموتي طالما عجزت الدولة عن توفير مكان لهم وسط الأحياء وعلي الرغم من عدم وجود احصائيات رسمية بإعداد سكان المقابر في مصر إلا تقديرات مصادر مختلفة تشير الي تخطيهم المليون شخص يعيشون وسط اموات..

وفي جميع الاحوال فإن أصحاب الاحواش حريصين دائما علي بناء غرفتين علي الاقل فوق سطح الأرض وذلك لاستقبال أسرة المتوفي وتلقي العزاء بجانب حمام صغير مع مرور الوقت وزياده الأزمات الاقتصادية تحولت هذه الغرف الي فرصة لا تعوض للسكن حيث تسكنها اسر كاملة في غرف متجاورة وحمام وحيد يتشارك الجميع فئة بنظام المناوبات في أحيان كثيرة..

عم سيد_رجل يبلغ من عمره ٥٠ عام عاش عمره كله في المقابر يعيش عم سيد مع زوجتة وأولاده داخل غرفة المطلة علي شواهد القبور يقول عن سيد “المنظر ده بشوفه كل يوم ويقول عم سيد لي ” اقعدي يابنتي متخفيش الي مات مات ”

حياه عم سيد في المقابر بسيطه الغرفة تكون مكونة عن سرير كبير واتنين صغيرين لي الاطفال كراسي ومروحة ” سالت عن سيد” انت مش خايف وانت عايش هنا وسط الاموات رد وقال ” انا هنا عايش في امان حتي عيالي في امان قالي متخفيش من الأموات خافي من الي عايش والي بيحضر ويسخر … سالت عم سيد مش ناوي تمشي وتعيش في مكان امان اكتر رد وقال ” انا اتولد هنا واتجوزت هنا وعامل حسابي هموت هنا اصل الحكومه عادي اني افضل هنا ومش راضين يدوني شقه خلاص بقي رجلي والقبر… يعيش عم سيد معه زوجتة وأطفاله ولا يكون له دخل ثابت ولا تأمين صحي ولا إعانة حكومية تساعدهم على الاستمرار في ظل ارتفاع الاسعار وبالتالي عم سيد عندو ولادين كبار متجوزين لاكن عن سيد لا يستطيع أن يضغط عليهم ويطلب مساعده يقول” كل واحد فيهم عنده بيت وعيال وشايل الهم مقدرش اقولهم ادوني”

ينظر عم سيد زوار المقابر لعلهم يرافون بحالو فينال منو مايعنيه مصاعب الحياة لكن الزيارات قليلة بذات بعد كرونا محدش بقي بيجي ويزور والناس بقت تدفن الميت ويمشو علطول وله بيسئلو في حد ..

رغم العشرة الطويلة بين عم سيد والمقابر الا انه مازال يخشي حلول الليل ويقول “احنا بني ادمين بردو وبنخاف ساعات لما ميت جديد يوصل انا ممكن اقعد اسبوع مقربش من القبر ”

تتوقف عربة كارو يجرها حمار لبيع الخضروات والفواكه أمام الحوش مساحة تحيط بالمقبرة الذي ساكنه عم سيد ويطل البائع براسة الي الداخل وينادي “عم سيد اديني فلوس خضار الاسبوع الي فات يرد عليه عم سيد ويقول” ياعم عنية حاضر مالك زعلان ليه” يكون واقف ابن عم سيد وينضم ويقول انتهي الحال للعيش وسط المقابر ويقول “انا نفسي اخد ابويا يعيش معايا بس زي ماحضرتك شايفه الي جي علي قد الي رايح”

ينظر عم سيد لي ابنه ويقول خلاص بقي يابني روح شوف وراك اي ربنا معاك راح بأس راس ابوه ومشي “بصلي عن سيد وقالي عايزه تعرفي اي بقي ..بصتلو وقوتلو انت كنت بتقول بقي ياعم سيد انك مش بتقرب من الميت لمده اسبوع ليه اي السبب؟

بصلي وقال بصي انا هحكيلك حاجه مره جابو ميت وجابه بليل بعد ماادفن خلاص روحت الاوضه عشان انام بس يابنتي ولله أنا اليوم ده مشوفتش ريحته النوم جالي في الحلم بيقولي الحقني انا خوفت يابنتي قولت اكيد ده معملوه حاجه او مات ظلم فضل يجيلي كل يوم لحد ماحد من قرايبه جه وقالي فعلا انو مات ظلم اتقتل..

بصتلو وقوتلو طب ياعم سيد فعلا ناس بتيجي هنا وبيحطو اعمال في المدفن قال اه طبعا يااه كتير اوي وبيجو يدوني فلوس ملهاش عدد عشان افتح تربة وادفن العمل.

وانت بتوافق ياعم سيد ! قالي لا طبعا اوافق اي يابنتي غير انه حرام انا لو عملت كدا انا هموت هنا قوتلو ازاي سكت ومرداش يقولي قالي بلاش تعرفي يابنتي بلاش يحسو انك بدوري وراهم..بصتلو قوتلو خلاص انا فهمت راح قالي خلي بالك هما مش بيأذو حد غير لو نكش وراهم..

يتوقف الكلام عند دخول مرات عم سيد وهي تدينا الشاي وتقول خلاص بقي ياسيد كلت ودن البنت بصلها وضحك وقال متخفيش هي زي بنتي انا مقولتس كل حاجه .. بصتلو وقوتلو كدا ياعم سيد ماشي شكرا.ضحك وقالي انا خايف عليكي انتي زي بنتي..

سالت عم سيد قوتلو اخبار الحرامية هنا اي” قال احنا مستباحين لاي حرامي ولو كلمنا الشرطه ماحدش بيعبرنا ” سكان المقابر لا يشعرون باي امان….

حوش عم سيد يتشابه الحكايات وتتعدد الماسي أمام الحوش يجلس رجل ثمانيني يدعي الحاج محمد امام بوابة حديدية محي الزمان ورث محمد هذا الحوش ومابداخله من مقابر عن والده الذي كان يعمل اضا حارسا بالكاد يراني لكنه يصر علي ضيافتي حتي لو بين شواهد القبور..

خلف الباب الحديدي يقيم محمد وزوجته المسنة في غرفة ضيقة باهتة الالوان وبلا نوافذ بينما تعيش ابنته وطفليها في غرفه أكثر ضيفا في الجهه المقابلة

يشتكي “محمد” من تهديد صحاب المقبره لانه اصبح شيخا عجوزا وهم يحتاجون حارسا جديدا أكثر شبابا، لكن أين سيذهب مع زوجته وابنته وأحفاده علي مقربة منه تجلس الحاجه حكيمة عبدالحكيم التي عاشت كل عمرها هنا بين المقابر لكنها تتمني أن تنال ابنتها واحفادها فرصه افضل وحياه أكثر أمانا في شقة ولو اوضين وصاله تقول ” السيسي قال اختاروني عشان الي قعدين في الترب هديهم شقق ..نزلنا واخترنا وكتبنا اسمائنا وضحك علينا ”

تتحرك كوثر محمد عبر شواهد القبور حتي تصل إلينا تندفع في حديث عما تعانية فهي مسؤوله عن تلك الاسره مكونه من الاب والام واثنين من الأبناء اكبرهما يبلغ ١٧ عام لا تملك كوثر الا العمل في مجال نظافة البيوت وتفعل كل مابوسعها للخروج من المقابر الي مكان افضل تقول:

“معايا علي ١٥ سنه ويوسف ١٧ سنه معرفش حاجه عن والدهم الي فجاه اختفي من سنين كل الي اتمناه شقه اوضين وصاله اقعد فيها مع عيالي بدل العيشة في الجبانات” تاخدنا كوثر الي حوش المقبره لتعرفنا بالمكان تقول نعيش هنا مقابل زي مالناس فاكره أن الي السكان هنا متعودين علي الموت لا انا وعيالي بنام واحنا خايفين لكن خوف كوثر الأكبر الان هو مصير عائلتها إذا ماقرر أصحاب المقبره طرد والدها من المكان تقول مش هيبقي ليا غير الشارع.

حاولت كوثر التقدم باورقها للحصول علي معاش تكافل وكرامه عبر أحدي الجمعيات الأهلية بمنطقة المقابر لكنها فشلت في تقديم الأوراق بسبب الزحام الشديد وتبادل الضرب والاهانات وقالت أيضا انها سالت عن شقق للبيع في اسطنبول الاسكان الاجتماعي التي طرحتها الحكومه لكنها فوجئت أن مقدمها ٢٠ الف جنيه” دا مبلغ مقدرش علية ولا اقدر علي اقساط الشقه” تقول كوثر التي تعمل في تنظيف المنازل أن جميع محاولاتها للحصول علي شقه انتهت بالفشل حتي يئست من الحصول علي ابسط حقوقها في هذا البلد وتنضيف ” انا مقدرش كل يوم انزل اجري علي ورق الحكومه عشان اخد حقي لازم اجري الاول علي رزق عيالي مين يعوضني علي يوميتي واجري”

خلصت كلام مع كوثر وسلمت علي عم سيد وقوتله همشي انا بقي عايز حاجه ياعم سيد ضحك ويصلي قال هستناكي تاني بصتلو قوتلو اكيد”

” ده جزء بسيط من حياه ناس المقابر الحياه وسط موتي حياتك بسيطه فعلا وله مقعده وتخوف!!

شاهد أيضاً

أشهر العادات والتقاليد الرمضانية في العالم

كتبت الصحفيه : فاطمه عبد المنعم علي يجمع شهر رمضان حول العالم بين الإيمان والتاريخ …