اللواء عبد الحليم عزوز يكتب : الأحزاب بين الواقع والمأمول…!!!

الأحزاب بين الواقع والمأمول…..
——————————————-
إن الفرق بين الحزب المأمول والحزب الموجود على أرض الواقع هو ذات الفرق بين الفكرة والممارسة، بين المبدأ والمصلحة، بين السياسة كفن لخدمة الوطن والسياسة كوسيلة لخدمة الذات. ولعل ما تحتاجه مجتمعاتنا اليوم ليس مزيدًا من الأحزاب، بل مزيدًا من الأفكار الحزبية الناضجة التي تعيد للسياسة معناها النبيل، وللمواطنة قيمتها الحقيقية، وللوطن مكانته بين الأمم

تُعد الأحزاب السياسية أحد أهم ركائز النظم الديمقراطية الحديثة، فهي الوسيط الرئيس بين الشعب والسلطة، والأداة الفاعلة لتنظيم الإرادة الشعبية وتحويلها إلى سياسات وبرامج واقعية. وإذا ما أردنا الوقوف على مفهوم الحزب بالمنهج الأكاديمي للعلوم السياسية، فإننا نجده تنظيمًا سياسيًا ذا بنية مؤسسية، يسعى للوصول إلى السلطة أو المشاركة فيها عبر وسائل سلمية، مستندًا إلى برنامج يعبر عن رؤيته الفكرية ومبادئه الأيديولوجية، بغية تحقيق مصالح جماهيره ضمن الإطار الدستوري والنظامي للدولة.

ومن خلال استقراء التجارب السياسية الحديثة، يمكن القول إن الحزب السياسي المأمول أو النموذجي يتميز بثلاث ركائز أساسية هي: المبادئ، الأهداف، والرؤية.
• المبادئ تمثل الإطار القيمي والأخلاقي الذي يستند إليه الحزب في ممارساته وسلوك قياداته وأعضائه.
• الأهداف تعكس تطلعات الحزب في تحقيق التنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.
• الرؤية تحدد المسار المستقبلي للحزب في إدارة الدولة والمجتمع، وتوضح موقعه من القضايا الإقليمية والدولية.

ومن خلال هذه الركائز، يستطيع الحزب أن يضع برنامجًا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا يعبر عن طموحات مختلف فئات المجتمع وطوائفه، ويسهم في دفع عجلة التطور والتنمية، ويواكب التحولات العالمية دون أن يفقد هويته الوطنية أو استقلالية قراره السياسي. الحزب المأمول هو الذي يمتلك مراكز بحثية ومؤسسات فكرية قادرة على صياغة السياسات العامة، وتحليل المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، وصنع القرار الخارجي بناءً على دراسات علمية دقيقة. إنه الحزب القادر على دعم الحكومة حين تنجح، ومحاسبتها حين تخطئ، من خلال أدوات الرقابة والتشريع والمشاركة الفاعلة في صنع القرار.

إلا أن الواقع السياسي للأحزاب في كثير من الدول العربية، للأسف، لا يعكس هذا النموذج المأمول. إذ نجد مقرات حزبية تمتلئ بأصحاب الياقات البيضاء، وأصحاب الأموال والمناصب، الذين يرون في العمل الحزبي وسيلةً لتحقيق مكاسب شخصية أو ضمانات سياسية، أكثر مما يرونه واجبًا وطنيًا ومسؤوليةً مجتمعية. فبدلًا من أن تكون الأحزاب منصات للتعبير عن إرادة الشعب، تحولت في بعض الأحيان إلى أدوات للموالاة للسلطة التنفيذية، أو منصات انتخابية مؤقتة تخاطب الفئات الأكثر احتياجًا عبر أجندات خدمية محدودة لا ترتقي إلى مستوى البرامج الاستراتيجية أو المشاريع الوطنية الكبرى.

كما أن غياب الثقافة الحزبية المؤسسية وضعف التمويل المستقل وغياب مراكز الدراسات داخل الأحزاب جعلها تفتقر إلى الرؤية الواضحة في التعامل مع القضايا القومية والدولية. فبدل أن تكون الأحزاب مدارس لتأهيل الكوادر السياسية وصناعة القرار، أصبحت ساحات للمناصب الشكلية والمكاسب الفردية، دون إكتراث حقيقي للمصلحة العامة أو لدور الحزب في صياغة القوانين والتشريعات التي تمس حياة المواطنين.

إن إصلاح الواقع الحزبي لا يكون بالشعارات، بل بإعادة بناء الأحزاب على أسس فكرية ومؤسسية سليمة، تضمن الديمقراطية الداخلية، والشفافية في التمويل، والاستقلالية عن هيمنة رأس المال والمصالح الضيقة. كما يتطلب الأمر تفعيل الدور الدستوري للأحزاب في الرقابة والتشريع والمشاركة في صنع القرار، بما يرسخ ثقافة سياسية حقيقية تؤمن بالتعددية والمواطنة والمشاركة.