الرئيسية / مقالات / الديانة اليهودية (عقائد-عبادات-تشريعات)

الديانة اليهودية (عقائد-عبادات-تشريعات)

قراءة وعرض/ نورهان على عبد الحليم

 

تمثل دراسة الديانة اليهودية أساسًا مهمًا في مجال علم دراسة الأديان بشكل عام، ودراسة الدين السماوي القائم على الوحدانية بشكل خاص، حيث يشمل المجال الأول سائر معتقدات شعوب العالم الوضيعة التي ارتضتها تلك الشعوب بشتى أشكالها الوثنية منها والفلسفية. أما المجال الثاني فتمثله الشرائع السماوية الثلاث التي تُشكل دينًا واحدًا ينطلق من وحدانية الإله من لدن آدم وحتى قيام الساعة.

تُعد الشريعة اليهودية أولى هذه الشرائع، لأنها تُعد بمنزلة أساس للشريعتين التاليتين لها وهما المسيحية والإسلامية. وتجدر الإشارة إلى ضرورة التمييز بين أصل الدين مجردًا والذي يشمل العقيدة وهو أمر ثابت، من الخليقة وحتى قيام الساعة. والشريعة هي أمر متغير وفق ظروف الزمان والمكان اللذين يعيش فيهما أتباع تلك الشرائع. فقد أنكر بعض أتباع هذه الشرائع بعضهم بعضًا، مما انعكس بدوره على العقيدة فظهروا وكأنهم أتباع أديان ومعتقدات مختلفة ما أنزل الله بها من سلطان، باستثناء أتباع الشريعة الإسلامية الذين أقروا بالشريعتين السابقتين في حدود ضوابط دستور المسلمين المتمثل في كتاب الله، أي القرآن الكريم وسنة رسوله المطهرة. في حين أن الأمر الوحيد الذي اتفق فيها أتباع اليهودية والمسيحية هو إنكار الشريعة الإسلامية.

ولعل إنكار أتباع هاتين الشريعتين وما أدى إليه من وجود ديانتين مختلفتين عقيدة وشريعة عن الشريعة الإسلامية، هو ما جعل الباحثين يستقرون على تسمية الشريعة اليهودية بالديانة اليهودية، وكذلك الشريعة المسيحية بالديانة المسيحية، رغم أنهما يمثلان حلقتين فى سلسلة لدين واحد هو الإسلام بمعناه العام.

تحمل الديانة اليهودية في طياتها هدفين رئيسيين: أولهما الهدف الديني الذي يتمثل في دراسة ديانة هذه الجماعة اليهودية التي تختلط فيها المادة الدينية بالمادة التاريخية. فاليهود أصحاب أولى شرائع الدين السماوي الواحد ذي الشرائع الثلاث، ولا تخفى أهمية دراسة الشريعة اليهودية في فهم كثير مما تتضمنه الشريعتان المسيحية والإسلامية سواء ما اتفقت فيه هذه الشرائع أو اختلفت بفعل الزمان والمكان، خاصة وأن لدى المسلمين  قاعدة تشريعية مؤداها “أن شرع من قبلنا يعد لنا إن لم يخالف شرعنا”. الهدف الثاني يختص بالمجال السياسي، حيث قُدر لمصر أن تكون حائط الصد الأساسي الذي تتحطم عنده – بفضل الله- كل الهجمات التي لحقت بالأمتين الإسلامية والعربية على مدار التاريخ قديمه وحديثه.

وإسرائيل -رغم اتفاقيات السلام- هي سبب الصراع الدائم مع الأمة العربية بشكل عام، ومصر على وجه الخصوص. لذلك يرتجى من مصر الكثير في شتى المجالات لمواجهتها، فتأتي دراسة ديانة الجماعة اليهودية وتحليلها لتوفر للقيادة السياسية ولمتخذي القرار في التعامل مع الكيان الصهيوني كل ما تطمئن إليه من معلومات عن تاريخ هذا الكيان وأفكاره ومعتقداته وآدابه والمؤثرات المختلفة التي سبقت وصاحبت ظهوره.

يشير المؤلف إلى التعريف الشامل بالديانة اليهودية مع طرح بعض النماذج لأهم المعتقدات والعبادات والتشريعات. فيُقسم الكتاب إلى ثلاثة أبواب، حيث يشمل الباب الأول المعنون (العقائد) على فصلين، يتناول الفصل الأول “الألوهية” 3 محاور، أولهما: الألوهية في الديانة اليهودية وأهميتها، والمحور الثانى يتناول الألوهية في مصدري التشريع اليهودى (العهد القديم – المشنا)، أما المحور الثالث فيتحدث عن صورة الإله في اليهودية في العصر الإسلامي. أما الفصل الثاني المعنون “مفهوم الأغيار -غير اليهود- في الفكر الديني اليهودي” فيتناول 3 محاور أساسية، يعرض المحور الأول مفاهيم الاختيار والعهد والخلاص ودورهما في تمييز اليهود، وينقسم إلى 3 عناصر أساسية تتمثل في الاختيار، والعهد، والخلاص. ويتناول المحور الثانى “الأغيار في العهد القديم”، مع ذكر لأهم المصطلحات الدالة على غير اليهود، ودور الحاخامات في تخصيص دلالة مصطلح “جوي”. أما المحور الثالث والأخير فيتناول مظاهر رؤية المشنا لغير اليهود، فيذكر المؤلف رؤية يهودية المشنا بصفة عامة لغير اليهود، وبعضا من أحكام المعاملات مع غير اليهود.

ويشمل الباب الثاني (العبادات والأعياد) فصلين، يناقش الفصل الأول أهم العبادات في الديانة اليهودية، وينقسم إلى أربعة محاور، يتناول المحور الأول الصلاة عند اليهود وأسباب فرضها وأنواعها، حيث يعرض المؤلف كافة التفاصيل التي تتعلق بالصلاة عند اليهود، ويعرض في المحور الثاني “الصوم وأنواعه لدى اليهود”، أما المحور الثالث فيتناول الصدقات (الزكاة) وحكمها، وقسم المؤلف هذا المحور إلى 3 عناصر، الأول يتناول أحكام الإنفاق العامة، والثاني أحكام يتحملها الرجل عن المرأة فيما يتعلق بالصدقات، والثالث أحكام يسقطها ولي المرأة عنها. ويتحدث المحور الرابع والأخير عن زيارة الأماكن المقدسة (الحج) عند اليهود.

يناقش المؤلف في الفصل الثاني من الباب الثاني الأعياد اليهودية، حيث يبدأ بمقدمة عن بداية التقويم اليهودى وأنواعه، ثم يتناول أقسام الأعياد اليهودية، ودور الحاخامات في تفسير أحكام الأعياد، والأعياد التي وُردت في التوراة، وأعياد زيارة الهيكل (الحج)، والأعياد التي لم يتم ذكرها في التوراة.

يشتمل الباب الثالث (التشريعات) على 3 فصول، يُناقش الفصل الأول تشريعات الميراث في اليهودية بشكل مستوف، فيتطرق المؤلف إلى مراحل التشريع اليهودى، ومفهوم الميراث في اللغة والاصطلاح، وأركان الميراث، وأسباب الميراث وشروطه، وأيضا ميراث الرجل في الشرق الأدنى القديم، وأحكام ميراث الرجل كما عرضها العهد القديم، وميراث الأبناء، وميراث الأخوة، وميراث الأعمام، وميراث العبيد، كما يتناول أحكام ميراث الرجل التي أضافها حاخامات المشنا على ما ورد فى العهد القديم، والأحكام التي استحدثها الحاخامات على ميراث الرجل، وتحليل منهج الحاخامات في شروحهم لتلك الأحكام ومدى توظيفهم لها. أما الفصل الثاني فيندرج تحت مسمى “تشريعات العقوبات وأحكامها”، ويتناول عددًا من المحاور: أهداف العقوبات، ودرجاتها وأنواعها كالعقوبات المالية، والعقوبات البدنية، والعقوبات السالبة للحرية.

 ويهتم الفصل الثالث بفضل الإسلام على اليهود واليهودية، وتأثر الديانة اليهودية بالبيئة الإسلامية. وركز المؤلف على شقين: الأول هو الفِرق اليهودية التي عاشت بين المسلمين وخصص طائفة “القرائيين”، والشق الثانى تناول فيه أثر العلماء المسلمين ومناهجهم التفسيرية في علماء اليهود ومفسريهم الذين حذوا حذو العلماء المسلمين في تفسيرهم وتأويلهم لعقائد الديانة اليهودية وتشريعاتها، كما تناول أشهر مفسري اليهودية الذين عاشوا وتعلموا في البيئة الإسلامية، والذين لم يعيشوا في البيئة العربية الإسلامية، لكنهم نقلوا بصورة غير مباشرة عن الإسلام وعلمائه من خلال تفاسير غيرهم من اليهود.

وفي الختام استطاع المؤلف أن يستعرض أبرز المعتقدات والشرائع في الديانة اليهودية، مستشهدًا بالعديد من الأمثلة التي توجد في الديانة اليهودية.

______________________

المؤلف الدكتور/ مصطفى عبد المعبود سيد منصور – أستاذ الدراسات اليهودية بكلية الآداب – جامعة القاهرة.

الناشر: دار الثقافة العربية

شاهد أيضاً

أشهر العادات والتقاليد الرمضانية في العالم

كتبت الصحفيه : فاطمه عبد المنعم علي يجمع شهر رمضان حول العالم بين الإيمان والتاريخ …