الرئيسية / الرأي والرأي الاخر / الدكتور اشرف عطا يكتب : 55 يوما في حضرة أبي  

الدكتور اشرف عطا يكتب : 55 يوما في حضرة أبي  

  1. يعجز القلم عن تسطير ما أكنه من محبة وتقدير لوالدي  الحاج فتحي عبدربه عطا – رحمه الله – الذي كان لي بمنزلة المعلّم الأول في هذه الحياة فلكم استفدت من مدرسته الفريدة والثرية بأعماله الجليلة والخفية، حتى وهو مسجى على فراش الموت لقد كانت في حياته لي عظات

وفي هذا السرد السريع أذكر مواقف من حياته – رحمه الله – قد استوقفتني كثيراً، وما زالت ماثلة أمام عيني عالقة في ذاكرتي، مدوناً لها في هذا الحديث لتبقى خير موروث تختزنه ذاكرة أبنائي وبناتي وأحفادي رجاء أن يقتدوا بها لإنارة حاضرهم ومستقبلهم:

فذكرياتي مع والدي مليئة بالعبر والعظات الا انني احببت ان اتحدث عن اياما معدودة قضيتها قبل وفاته بخمسة وخمسين يوما فقط وما تحمله تلك الايام من لقطات حب وحنان انبعثت من عين ابي رحمة الله عليه. 

الا انني قبل ان ابدأ رحلتي في تلك الايام اعرض اولا امورا من جملة المواقف والذكريات لوالدي الحاج فتحي عبد ربه عطا – رحمه الله تعالى- والتي انحصرت في خمس خصال ابرزها  ( الاهتمام بالواجب بلاحدود  — واكرام الضيف — وعدم حمل في صدرة حقد او غل لاحد — حرصة الدائم علي فك كرب الكثير — حبه لاهله واخوته ) تلك هي ابرز سمات والدي رحمة الله عليه

كما انني تعلمت منه :-

  • حرصه على حضور مجالس العلم وحِلق الذكر بالمسجد وكان كثيراً ما يصطحبني معه في صغري لحضور هذه المجالس العلمية بأروقة مسجد الزيني بركات الملاصق لمنزلنا وساحاته
  • كان – رحمه الله – كثير العبادة فقد قضى حياته في مجاورته لبيوت الله من مسجد الرحمن الي مسجد الزيني بركات. 
  • كان حربصا على التبكير لحضور الصلاة فيذهب قبل الأذان للمسجد ليؤذن بصوته الندي ولاسيما صلاة الجمعة والتي كان يرتب لها من الليل بتجهيز ملابسه وياخذ معه اوراقه الخاصة واغلب مقابلاته كانت في المسجد لتعلق قلبه به. 
  • كان الحاج فتحي رحمة الله عليه يتابع بشدة إذاعة القرآن الكريم عبر الراديو ولا يغلقه في غرفته نهائيا حتي وقت وجودة في المستشفي كان يرافه الراديو وكان يغضب كثيرا ممن يغير تلك الموجة إذاعة القرآن الكريم او يحرك عجلة الراديو التي كان يعلمها بقلمه حتي يصل ايها بسهولة وييسر. 

* يحب الدعابة ويمزح مع من يعرف مع عدم المجاملة وحرصه على كلمة الحق واحترامه الشديد لقيمة الوقت والتجهيز الجيد لسفرياته او لواجباته وله في ذلك قصص كثيرة يعرفها الكثير من الاهل والأقارب والمقربين إليه.

* كان حريصا علي مشاركة الناس في احزانهم وافراحهم … لقبه الكثير بـ “ابو الواجب” … لحضوره كافة المناسبات بالاضافة الي علاقته الوثيقة بالمقرأيين والمبتهلين فكان اهل القرية يستعينون به دائما في تيسير امر التعاقدات وفي ترتيبات مناسباتهم لعلاقته القوية ومعارفه باغلب عمد ومشائخ القري المجاورة .

* كان الحاج فتحي رحمة الله علية يتميز بالنظام والترتيب وخاصة في امور حياته العملية والمنزلية فكان يجهز دائما للعزومات العائلية وغيرها من كافة الترتيبات العائلية  ويعرف كل كبيرة وصغيرة في البيت وذلك من منطلق الحرص علي النظام ومعاونة اهل البيت  دون خجل  او ملل. 

* منظم في امور عملة من خلال وجود مذكرات خاصة به يدون فيها كل مايجب ان يفعله من دفع فواتير ومجاملات وتنظيم مواعيد زياراته لاهله واقاربه وتنظيم مواعيد عمله .

* كان رحمة الله عليه حريصا على صلة أقاربه وأرحامه، ويتخولهم بالزيارة بين الوقت والأخرى، ويتفقد أحوالهم، والاتصال بهم في كافة المناسبات واعياد الميلاد الخاصة بهم  ويهدي لهم على قلة ذات اليد ما يمتلكه وان قل ويبعث لهم بالرسائل التليفونية للمعايده وتهنئتهم  وربما استدان من أجل البعض لقضاء حاجته ويحرص أيضاً على عمل الخير ومساعدت الكثير ويفك عنهم كربهم .

* عُرف – رحمه الله – بكرمه وسخائه ومن شدة كرمه حرصه الدائم على إستضافة اهله واحبابه دون ان يشعر احد باموره الخاصة لايمانه بمقولة ” الكريم لايضام ”

* كان حريصا على الإستيقاظ قبيل أذان الفجر لصلاة الفجر .

بعد كل ذلك تعالوا بنا نعرض علي بعض تواريخ مسجلة في ذاكرتي قبل ان ادخل في الايام الاخيرة قبل وفاة الحاج فتحي رحمة الله عليه .

(حادث المقص )

  • اولها يوم 26 اكتوبر (حادث المقص ) ذلك اليوم الذي حينما يتذكره الحاج فتحي كان يبكي  داخليا ويؤنب نفسه علي هذا الامر ظنا في نفسه انه لولا ذلك ما مرض

حدث ذلك عندما اراد ان يقلم اظافره باستخدام مقص حاد فجار علي جزء كبير من اصبع قدمه الكبير  لدرجة انه من شدة حدة المقص لم يعرف ما فعل به بل لم يشعر بالدم الذي سال منه … وما كان منه الا ان لملم علي اصبعه بخرقة دون مبالة من اثر ذلك عليه ودون علمه ان هذا الامر البسيط والذي ليس عنه بغريب – فقد قلم الحاج فتحي  اظافره مرارا وتكرارا  دون ان يصاب بمكروه الا انها ارادة الله – هو اول حركة فعلها في كتابة نهاييته .

 ومر علي ذلك خمسة عشر يوما وفي يوم الجمعة 8  نوفمبر وكان يوم الاحتفال بليلة مولد رسول الله صلي الله عليه وسلم وكان الاحتفال في مسجد الزيني بركات بحضور اهالي القرية علي مأدوبة غداء بحضور الشيخ حمدي ايوب

كانت جلستي في صلاة الجمعة في المسجد  بجوار والدي وكان وقتها الحاج فتحي يجلس علي الكرسي وكنت اجلس بجواره علي الارض فجائتي خاطرة علي هيئة دعاء فقلت في نفسي….

“اللهم اجعلني دائما وابدا تحت قدم ابي خادما له وان يجعل ابي دائما في مكان عليا واجلس تحت قدمه خادما له بفضل ما قدم ابي لي من امور كثيرة “

في اليوم التالي اتصل بي اخي احمد واخبرني بان الحاج يشكو من الم في اصبعه واخبرني بان التشخيص الاولي للدكتور محمد الشيخ انه يجب مراعاة علاج القدم بحظردون اهمال والا ان الامر قد يتطور الي بتر الاصبع… غاحسست بحالة انقباض شديدة خوفا علي الحاج .

 (بتر الاصبع )

وفي يوم الاحد 10 نوفمبر ذهبنا الي الدكتور محمد سلام في قرية سروهيت لمتابعة الامر والذي اكد لنا ان الحالة جيدة وربما لا نضطر الي بتر الاصبع في حالة المتابعة الجادة والعلاج المنتظم  … وبالفعل اخذنا امربجد وتم عمل المتابعة الدورية مع هذا الطبيب وذلك لمدة تقترب من 30 يوم

حتي يوم الخميس 12 ديسمبروالذي أكد لنا الدكتور سلام ان الامر يحتاج الي اجراء عملية ازالة جزء من الصباع بمستشفي سلمي بالباجور

وبالرغم من ذلك بعد اسبوع تقريبا من اجراء العملية الاولي  الامر لم يتحسن وقال لنا الدكتور سلام ان الامر يحتاج الي بتر الاصبع الكبير من القدم اليسري للحاج

مما اصابني هذا الامر بحالة من اليأس خاصة وان الدكتور سلام  قال لنا  “بعد البتر ربما ينتهي الامر علي خيراو قد نضطر الي بتر القدم باكمله”

وحدد لنا ميعاد اجراء العملية كان ذلك يوم الثلاثاء 24 ديسمبر2019  وفي نفس الوقت اشار علينا الحاج سالم زوج اختي ان نذهب بالحاج فتحي الي طبيب متخصص في الاوعية الدموية في اشمون ويدعي الدكتور يحيي الخطيب لأخذ القرار في بتر الابصع من عدمه الا ان الدكتور يحيي اكد لنا نفس التشخيص بضرورة بتر الاصبع  .

وعلي الفور يوم الخميس 26 ديسمبر ذهبنا بالحاج الي مستشفي سلمي لبتر الاصبع دون ان يعرف الحاج فتحي ما يحدث له .. حيث دخل اخي أحمد علي الدكتور سلام قبل اجراء العملية بخمس دقائق واخبره بان الحاج لايعرف شئ عن امر بتر اصبعة فتعجب الطبيب من ذلك الامر الا ان الطبيب استطاع  اقناع الحاج بالبتر داخل غرفة العملي

(السفر الي الدقي )

في يوم 5 يناير2020 قال لي الدكتور سلام بان الحاج يحتاج الي عملية توسيع شرايين الرجل والا سنضطر الي بتر الرجل حتي اسفل الركبة وكان هذا الامر بمثابة الصاعة لخوفي علي الحاج من الاضطراب النفسي خاصة وانه كان في مرحلة اوليه بان يقلل من الطعام ويشعر بحالة من اليأس من الشفاء

وفي يوم الخميس  16 يناير2020 اقنعت الحاج بان نذهب سويا الي  الدكتور محمد حسن البتانوني  بالدقي وبالفعل استجاب الي قولي ووقتها احسست انه لديه الرغبة في تناول وجبة سمك فقلت له انني اشتهي الي السمك وبالفعل دخلنا محل سمك وكان بحالة جيدة الا انه عندما هم بتناول الطعام لم يستطيع بلعه..  فدمعة عيني علي حالة والدي الا انني اخذت ارفع من روحه المعنويه ومداعبته بانه لا يشتهي السمك لعدم وجود ام عبده معنا …  وفي ذلك اليوم استاء الحاج كثيرا من اسلوب الدكتور الذي كان قليل الكلام فاخذ الحاج يسب في الطبيب بيني وبيه وانا اضحك من غضب الحاج من الدكتور وعلي الفور عدنا الي القرية وفي طريقنا مررنا في نفس اليوم علي الدكتور محمد سلام وتحديدا الساعة التاسعة مساءا والذي طمئن الحاج وقال له لا تقلق يا عم الحاج فتحي .

 

وفي يوم الاثنين 20 يناير كانت نفسية الحاج فتحي تحت الصفر ورفض النزول للغيار علي قدمه وبدأت حالة الحاج في تراجع شديد من السيئ الي الاسوء رغم ان كافة التحاليل تؤكد ان حالته جيدة ولا يوجد سبب واضح تجعله يقلع عن الطعام فاحسست انه استسلام والدي للامرض قد يدخله في مرحلة غير معلوم مداها .

 (بداية الرحلة )

وفي يوم الجمعة   24يناير بداية قصتي الحقيقية مع  55 يوم  قبل وفاة الحاج فتحي رحمة الله عليه واخباري بانه سوف يموت بعد خمس دقائق   ….

لذلك فان حديثي يقف علي ايام مرضة الاخيرة والتي تلمست فيها امور كثيرة اغلبها مرتبط بالرقم خمسة  

فتحديدا يوم 20 يناير 2020اي قبل وفاة الحاج فتحي رحمة الله عليه بخمسة وخمسون يوما تقريبا  عندما وضع يده علي صدره وقال لي بحضور امل اختي انني سوف اموت بعد خمس دقائق وكانت وقتها الساعة التاسعة  و55 دقيقة مساءا .

في ذلك الوقت شعرت بحالة من الخوف الشديد علي والدي واحسست انه سيفارق الحياه خلال تلك الدقائق التي اخبرني بها وانتظرت بجواره الي ان جاءت الساعة العاشرة كما اخبرني الا انه لم يحدثله شئ والحمد لله تحسنت حالته.

في تلك اللحظات  جائني هاتف يذكرني بقصة بعض الأئمَّة الذي رأى في المنام ملَكَ الموت، وأظُنُّه الإمام مالك رحمه الله تعالى، فقال يا ملَكَ الموت كَم بَقِيَ لي من عمري ؟ فأشار إليه ملَكُ الموت هذه الإشارة ؛ خمسة ! فلمَّا اسْتيقظ الإمام مالِك ازْداد قلقًا ! يا تُرى خمسُ سنواتٍ أم خمْس أشْهر أو خمسة أيَّام أم خمْسُ ساعات، فذَهَب إلى الإمام ابْنِ سيرين رحمه الله وكان عالِمًا في تفسير الأحلام، فقال له هذا الإمام: يا إمام، يقول لك ملَكُ الموت، إنَّ هذا السُّؤال مِن خمْسة أشياء لا يعْلمها إلا الله ! لأنَّ الله سبحانه وتعالى في الآية الرابعة والثلاثين والأخيرة مِن سورة لقمان يقول:

﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )

وبالفعل حدث للحاج فتحي رحمة الله عليه امور بعد ذلك ارتبطت بالرقم خمسة جعلتني اقتنع ان المريض هو الذي يعرف وحده مكانته عند ربه .

 (دخول مستشفي الباجور)

ففي يوم الجمعة   24يناير تم استدعاء الدكتور اشرف ايوب من سرس الليان  والدكتور سلام  واشارا علينا  بضرورة دخوله مستشفي الباجور لتعليق محاليل ودم وعمل اللازم نظرا لتدهور الحالة الصحية وغيابه عن الوعي من وقت لاخر … وبالفعل تم دخول الحاج فتحي مستشفي الباجور غرفة 520 وكان بها مريض يدعي عم سيد .

في نفس اليوم تحديدا فجرا استيقظت من نومي فاذا بالحاج يشكوا من ضيق النفس فجلست بجواره لاخفف عنه وقلت له لا تقلق ياعم الحاج الامر يسير وسوف نخرج من المستشفي بعد تعليق الدم والمحلول  ” يومين ونروح ”

وفي صباح يوم الاحد 26 يناير  طلب مني الخروج من المستشفي لانه سيموت قريبا  ويريد ان يموت علي فراشه في البيت … فاخذت اداعبه واقول له لقد قلت من قبل انك ستموت ولم تمت فلا تهول الامر يا عم الحاج .

وفي الليل طلب مني ان اجلس من خلفه لينام علي صدري فجلست وأخذته علي صدري واخذت اقول له لا تقلق يا حاج فانت بخير حتي نام وهو علي صدري اخذت ابكي علي حال والدي الذي كان يتحرك هنا وهناك واليوم لم يستطيع ان ينام بمفرده … وبعدها استيقظ  الحاج فتحي وقال لي اتعبتلك طوال الليل يا شرشر فقلت له وما التعب في ذلك انت نمت علي صدري وانا نمت علي عل كتفك ” يبقي خلصين “

في تلك الليلة احسسن بقبضة في صدري وعرفت ان الحاج فتحي يقضي اياما معدودة الا انني كنت اكذب نفسي لما اراه من نتائج مطمئنه من التحاليل الطبية .

 (غيبوبة السكربمستشفي الباجور )

وفي يوم الخميس 30 يناير2020 وهذا اصعب يوم في حياتي في تلك الليلة استيقظت من نومي فاذا بالحاج يتحرك علي عكازه ليدخل الحمام ويتحرك بهدوء حتي لا ييقظني الا انني انتبهة وقمت من نومي لاساعده الا انه قال لي لا تقلق يا حاج اشرف  حتي عاد الي سريره وطلب مني ان اصلي الفجر .

وفي تمام الساعة الخامسة مساءا استيقظت مرة ثانية علي صوت غريب يخرج من الحاج وكانه في سكرات الموت وتحدقت عيناه واصفر وجهه وامسكت  بيديه واخذت انادي عليه فلم يجبني رغم ان عيناه مفتوحتان دون حركة ويخرج  من فمه صوت غريب وكانه يتغرغر … فاسرعت وانا في حالة فزع وزهول مما يحدث الي غرفة التمريض والي غرفة الطبيب حتي جأت الممرضة واخبرتني بانها غيبوبة سكر وعلي الفور اجرت له الاسعافات الاولية وبعد 20 دقيقة تقريبا عادت الحياة لوادي وبدء يستوعب ما حوله وينتبه لي فحمدت ربي

وقالت لي الممرضة ربنا جعلك سبب ان وهبت الحياة لوالدك خاصة وان السكر قد وصل الي 35 وقليل جدا ممن يصل الي هذا الرقم ويعود الي الحياة …. وما ان افاق الحاج من غيبوبته قال لي ماذا حدث وما يبكيك فقلت له لا ابكي ولكن عيناي حمراء من قلة النوم واخذت اطعمه اشياء كثيرة لدرجة انه قال لي كيف اكلت كل هذا … حتي دخلت علينا ام عبده وسالم وخبرتهم بما حدث وانا لا اعرف ما قول لهم .

وفي صباح يوم السبت 1 فبراير2020 في الغرفة رقم 528 قال لي الدكتور احمد دنيا الجراح بمستشفي الباجور ان قدم الحاج تحتاج الي عملية تنظيف ولن يتم ذلك الا بعد استشارة طبيب اوعية دموية   فسافرت بالاوراق والتحاليل الي مصر الجديدة لمقابة الدكتور شريف هلال اوعية دموية والذي اكد لي علي ضرورة تطهير الجرح فورا

(يوم كئيب ودخول مستشفي التأمين الصحي )

وفي صباح يوم الاحد 2 فبراير جهزنا الحاج فتحي لاجراء عملية تنظيف الجرح بمستشفي الباجور الا ان الدكتور احمد دنيا رفض واشار علي الذهاب بالحاج الي مستشفي الدعاء بمصر الجديدة وعلي الفور جهز اخي احمد الاوراق وسافرنا الي مستشفي الدعاه وكانت لحظة يئيسة ووقت كئيب من الامر ووقفت ان واحمد اخي مكتوفي الايدي لا نعرف ماذا نفعل الطبيب تاخر كثيرا عن الحضورولا يوجد بديل وحالة الحاج غير مستقرة … الي ان ساق الله لنا الدكتور فرج واشار علي ان اذهب بالحاج الي مستشفي التامين الصحي فورا .

وعلي الفور انتقلنا الي مستشفي التامين الصحي ورغم التعنت في الاجراءات وتاخر الاطباء للكشف عن الحاج في الطوارئ الا انني احسست بحالة من الارتياح النفسي بان الله هو الذي يسر لنا هذا المكان

الي ان جاء الدكتور عبد الرحمن والذي طمئنني بان الامر تحت السيطرة وسوف يتم عمل عملية التنظيف  ثم بعد ذلك عملية القسطرة … في تلك اللحظات اخذنا انفاسنا تطمئن وشعرنا بان الامر سيتحسن

تم عمل اجراءات دول الحاج الي غرفة 903 وتم عمل عملية التنظيف وخرج الحاج بحالة جيدة وشعر بالراحة النفسية ظننا في نفسه وانفسنا بان الامر قد تحسن وقمنا بالتقاط الصور وتسجيل الفيدوهات وتشيرها علي درب عطا لنطمئن الجميع علي حالة الحاج فتحي .. ونمت بجواره وانا افكر هل ماحدث له نهاية المطاف ام اننا نصبر انفسنا .

fbt

وفي يوم الاثنين 3فبراير تم نقل الحاج لغرفة 920 الا ان الوضع لم يتحسن ومازال اصرار الحاج علي ان ما نفعله معه لاقيمة له وان حالته متأخره .. يحدثني عن ذلك من ناحية وانا اقول له انت بخير وكان معه في نفس الغرفة رجل يدعي الحاج فريد الذي قال له  “لماذا لا تأكل يا حاج فتحي علشان بتر صباعك فانا بترت اربع اصابع والحمد لله أكل كل شئ” .

وفي يوم الثلاثاء 4فبراير2020 تم عمل عملية القسطرة للقدم اليسري للحاج لتوسعة الشرايين وبفضل الله بشهادة الاطباء بان العملية نجحت وان التأم الجرح سيكون يسير بعد تلك العملية .

وفي يوم الاربعاء 5فبراير اشار علي اخي احمد والحاج سالم بتغيير الغرفة لرفع الروح المعونية عند الحاج بان يكون المكان متميز وبفضل الله تم نقل الحاج الي  غرفة 608  ورافق الحاج  معي في تلك الليلة سالم معوض الذي جلس يتحدث مع الحاج في مواضيع متعددة ليخرجه من حالته النفسية وكانت ليلة طيبة بالرغم من ان حالة الحاج غير مستقرة وحدثت مشكله لعدم وجود طبيب قلب ليتابع الحاج واخذنا نطالب بطبيب قلب حتي وقت متأخر … وحضر الطبيب في ساعة متأخرة من الليل وقال لي حالة الحاج مستقره ويتطلب خروجه غدا .

 (دخول مستشفي هرمل .. وليلة عصيبة )

وفي صباح يوم الخميس 6فبراير قام الطبيب الذي تشاجر معنا وكتب تقرير يفيد بان حالة الحاج مستقرة ويمكن خروجه من مستشفي التامين الصحي الا انني لم اقتنع بهذا التقرير وتم الحجز للكشف علي الحاج بمستشفي القوات الجوية بالتجمع الخامس …. الا ان الحاج فتحي نزل معنا حتي ركب معي سيارتي وقال لي ” اطلع علي البلد يا حاج اشرف “

وعندما اخبرته باننا في طريقنا الي مستشفي القوات الجوية بالتجمع الخامس لمقابلة دكتور القلب … فاصابته حالة من الفزع واستثار علينا ورفض رفضا شديدا  ان يذهب الي اي طبيب ولا اي مكان سوي البيت لاحساسه بانه سوف يموت ويحب ان يموت علي سريره في بيته . وقال لي … ” روحني يا حاج اشرف هموت وعاوز اموت في البيت ” .

في تلك اللحظة اصابتني حالة من الليأس انا ومن معي من سالم ومحمود حجاب والحاجة ام عبده  لفشلنا في اقناعه بالكشف عليه خاصة وان حالته كانت سيئة للغاية

افصابتني حالة من الاحباط  مما دفعني الامر الي الاتصال بالحاج مجدي والحاج عطا والحاج عبد الهادي ابن عمتي ليقابلونني علي مستشفي الباجور اومستشفي هارمل بمنوف والتأكيد علي احمد بان الحاج يجب ان يدخل مستشفي هرمل .

وفي طريقنا الي القرية اخذت اداعب الحاج واتحدث معه في موضوعات بعيدة عن المرض والمستشفيات … وقلت للحاج فتحي لا تقلق سوف نذهب الي البيت واخذت ابحث عن افكار لاقناعه بان يذهب لاي طبيب ليرفع عنه ( القسطرة) …. وبالفعل بفضل الله اقنعته بان نذهب الي اي مستشفي بمنوف وان الامر لا يستغرق اكثر من نصف ساعة … في نفس الوقت قمت بالاتصال باخي احمد لترتيب كل شئ مع الطبيب المعالج وان يفهمه بحالة الحاج واعتراضه علي دخول المستشفي اوالمبيت بها .

في مستشفي هرمل قضينا ليلة اصعب عليا من ليالي مضت خاصة بعد دخول الحاج غرفة العناية وكان الامل الوحيد انتظار تقرير طبيب القلب والذي حضر في الثانية عشر بعد منتصف الليل … هذا الطبيب تحدث معنا بصراحة شديدة جعلتني لا اتمالك نفسي من البكاء انا ومن معي .

اكد لنا الدكتور بان حالة الحاج غير جيدة والامل ضعيف والامر يحتاج الي عناية مركزة متميزه … في تلك اللحظات اصبنا بحالة من العجز التام بل شلل تام في التفكير بل انني قلت للحاج سالم لو ان تلك هي النهاية نبقي علي الحاج في تلك  العناية حتي يقضي الله امره …

وكأن الله تعالي يرسل لنا اشارة الي ان الحاج باقي له علي حياته بيننا  40 يوما فقط فمكثنا ليلة مابين الدعاء ومابين البحث عن بدائل من المستشفيات في مصر .

وفي صباح يوم الجمعة 7فبراير صلاة الجمعة جائني محمود حجاب وقال لي “اليس لكم تعاقد مع مستشفي العربي فانت عضو بنقابة الصحفيين  والمستشفي بها تعاقد معكم ” … كانت كلمات محمود لي  وكأنها طوق نجاه امسكت به املا ان اخرج ابي من تلك الحالة التي لم اراه عليه من قبل فاستعاد الامل في نفسي وجري الدم في عروقي مرة ثانية …

وبالفعل تم الاتصال بمستشفي العربي وبدأنا في استمكال اجراءات خروج الحاج من مستشفي هرمل ودخوله مستشفي العربي  .

ومن عظيم القدر انني ذهبت مع الحاج سالم لنصلي صلاة الجمعة بالمسجد المجاوار هرمل فكانت خطبة الجمعة تدور حول فضل الابوين وبر الوالدين وقال خطيب الجمعة عن النبي قال:  “رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر أحدُهما أو كلاهما فلم يدخل الجنة “

 وقال الخطيب  ” إذا كان الوالد في حال الكبر فهذا باب واسع للإنسان من أجل مزيد من التقرب إلى الله  بهذه الطاعات التي هي من أجمل الطاعات وأفضل القربات، فحاجات هذا الوالد الكبير كثيرة، وكلما كان الأمر أشق كلما كان الأجر فيه أعظم “

 ” دخول مستشفي العربي “

وبفضل الله تم خروج الحاج فتحي  من مستشفي  هرمل بمنوف الي مستشفي العربي وتم عمل الفحوصات اللازمة

في تلك اللحظات شعرت بحالة من الارتياح التام بعد ان توقف عقلي عن التفكير ليلتين كاملتين .. وشعرت باننا بفضل الله قد انقذنا والدي ودخلنا المكان المناسب  ..

ولا ادري بان العد التنازلي قد بدء من تلك الليلة وما هي الا اربعون ليلة ويفارق فيها اعز واغلي انسان الي قلبي الحياة … ولوكنت اعلم ذلك ما نامت عيناي واخذت انظر الي وجه ابي لكن الامل في الله كان كبيرا .  

ويوم السبت 8فبراير ذهبت مسرعا الي مستشفي العربي  والي غرفة العناية فدخلت عليه وانا ارتدري كمامة وجوانتي وذي طبيب ووقفت بجوار الحاج فتحي اكلمه واداعبه واطعمه بيدي وهو لا يعرف من يتحدث معه … فقال لي الحاج فتحي رحمة الله عليه “من الكريم الذي يطعمني ويكلمني ” … فرفعت الكمامة من علي وجهي وقلت له “انا الكريم ابن الكريم ” .. فتبسم الحاج فتحي ضاحكا من قولي وقالي لي حبيبي لم اعرفك … فقبلته مرة ثانية وتحدثت معه واحسست بان الامل في الشفاء قد تجدد من جديد .

ومكث الحاج فتحي في غرفة العناية ثلاث ليالي يوم السبت والاحد والاثنين

وفي يوم الثلاثاء 11فبراير خرج الحاج فتحي من العناية الي الغرفة  رقم 503 بالرغم من ذلك عندما دخل الحاج فتحي الغرفة قال لي “اريد ان اخرج من هنا لو تركتموني الليلة سوف اموت”  وكان لسان حاله يقول باقي لي معكم 35 يوما افضل لي ان اقضيهم في بيتي … فاخذت اقول له اصبر يومين او ثلاث ايام وسنخرج باذن الله .

وفي يوم الاربعاء 12فبراير بداخل غرفة 503 قال لي الدكتور محمد حموده ان حالة الحاج في تحسن ولكن تسير ببطء وهذا لا يقلقنا والامر يحتاج الي عملية تنظيف للجرح .

وتم تجهيز الحاج للعملية ووقتها قام طبيب التخدير بالتاكيد لي بان الحالة غير مستقرة نتيجة لضعف عضلة القلب الا ان اجراءها  امر ضروري …

والحمد لله تم عمل العملية وخرج الحاج بسلامة الله ورغم ان الاطباء اكدوا لي ان حالة الحاج في تحسن الا ان الشخص الوحيد الذي كان يعرف التشخيص الحقيقي لحالته هو الحاج فتحي نفسه .

خاصة وان ملاحظتي الغريبة علي الحاج فتحي في تلك الايام انه كان ينظر الي سقف الحجرة ويدقق النظر وكأنه ينظر الي شخص او شئ ما وكان يرفع اصبعه  وكأن من امامه يسئله شئ ويجيب عليه باصبعه او يلقن نفسه الشهادة … هذا الامر تكرر كثيرا منذ يوم 20 يناير تقريبا اي قبل وفاته بخمسة وخمسون يوما تقريبا  

ومكث الحاج فتحي رحمة الله علية يوم الخميس 13فبراير والجمعة 14فبراير غرفة 503 وفي تلك الليلة طلب مني الحاج ان يخرج ويستكمل علاجه في البيت …

في تلك اللحظات اخذت افكر كثيرا ماذا افعل وكيف نخرج والحالة الصحية ليست علي مايرام  وتحتاج الي متابعة دقيقة فاشار علي الطبيب ان يخرج بشرط ان يعود الي المستشفي للمتابعة الدورية يومي الثلاثاء والسبت من كل اسبوع .

( الخروج من مستشفي العربي )

وفي صباح يوم السبت  15فبراير قال لي الحاج اريد ان اخرج اليوم من مستشفي العربي فقلت له اوافق علي خروجك بشرط ان نأتي للمتابعة في المستشفي فقال لي موافق المهم ارجع الي البيت .

وفي يوم الثلاثاء 18فبراير كانت المتابعة الاولي في العربي مع الدكتور عبد العزيز والذي اخبرني بان الحالة في تحسن بنسبة 70% فاخبرت الحاج بذلك الا انه لم يكن مقتنع بذلك .

 

وفي يوم السبت 22فبراير كانت المتابعة الثانية  فاقترحت علي والدي ان نجري له كشف مع دكتورة القلب ودخلنا غرفة الكشف وكانت حالة الحاج غير جيدة ونظرت الي وجه الدكتوره فوجدت في عينيها قلة الحيلة من حالة الحاج وان حالته تحتاج الي ان يأكل فقط حتي يستعيد عافيته ويستطيع ان يستجيب للعلاج .

وفي يوم الثلاثاء  25فبراير يوم المتابعة الثالثة في مستشفي العربي قال لي الدكتور عبد العزيز ان “قدم” الحاج فتحي تحتاج الي عملية تنظيف ثاينة في مستشفي سيد جلال وحدد لي ميعاد يوم الاحد الموافق اول مارس .

وفي يوم الخميس 27 فبرير  قمت بالاتصال بالدكتور عبد العزيز للتأكيد علي موعد اجرأ العملية بمستشفي سيد جلال وفي نفس التوقيت قام الحاج سالم بالحجز عند الدكتور يحيي الخطيب في شبين الكوم لأخذ رأيه في الموقف من اجراء العملية للحاج  .

وبالفعل يوم السبت 29 فبراير ذهبنا الدكتور يحيي الخطيب شبين وكشف علي الحاج وباسلوبه طمئن الحاج علي حالته  ورجعنا الي البيت وفي هذا اليوم هو اليوم الوحيد الذي اكل فيه الحاج كويس جدا جدا فاكل ثلاث قطع من اللحم ووجدت الشهية قد بدأت تنفتح فقلت الحمد لله … وفي اليوم التالي احضر له احمد سمك فاكل سمك وفي اليوم الثالث اكل لحم ومحشي فشعرت بحالة من الامل قد تجدد بان حالة الحاج في حالة تحسن وتم عمل له برنامج غذائي … ظننت في نفسي بان الامر قد تحسن ولم اعرف انه باقي من الزمن علي رحيله  خمسة عشر يوما فقط  .

 (باقي من الزمن 15 يوما )

وفي يوم الجمعة 6 مارس كانت حالة الحاج غير مستقره فقمنا بعمل بعض التحاليل له فكانت الانيميا 7  تقريبا فاصابتي حالة من الهلع وجميع افراد الاسرة وبخاصة الحاج عطا الذي خرج معي الي مستشفي سلمي ومنها الي معمل التحاليل وفي النهاية استقر الامر الي دخول الحاج مستشفي الباجور لتعليق له كيس دم ,,, وبالفعل علي غير المعهود استجاب الحاج لندائنا بالذاب الي مستشفي الباجور والحمد لله قابلنا الدكتور محمود سلطان الذي اشار علينا بعدم تركيب دم والاكتفاء ببعض الحقن البديلة  وعاد الحاج بسلامة الله الي البيت ونحن نحمل معنا باقاة امل جديد .

وفي يوم السبت 7 مارس ذهبنا الي الدكتور يحيي الخطيب شبين  المتابعة الدورية لكن تلك المرة لم نري في وجهه امرا مطمئن  واشار علينا ان نجدد الكشف يوم الثلاثاء باشمون .

وفي يوم الاحد 8 مارس ذهبت الي الحاج للاطمئنان عليه فاذا به مقلع عن الطعام وحالة النفسية متراجعة فقلت له : يا حاج فتحي لماذا لا تأكل . قال لي “يا حاج اشرف محدش بيموت من قلة الاكل ”  … وقال لي “املي ان اسير مرة ثانية علي رجلي ”  فقلت له  : والله لقد رأيتك في المنام وانت تقف وتمشي  .. كما انني حجزت لك عند الدكتور احمد النجار دكتور الاعصاب الذي تحبه وتتفائل به .. فنظر الي وكأن لسان حاله يقول لي حقا سأمشي من الدنيا بعد سبعة ايام

(اخر يوم يخرج فيه من البيت )

وفي يوم الثلاثاء 10 مارس وكان ذلك أخر يوم يخرج فيه الحاج فتحي من البيت وهو علي قيد الحياه … بعد اقناعه ومعي ايمن اخي  بان الامر يتطلب الذهاب الي الدكتور يحيي في اشمون وبالفعل ذهبنا اولا الي الدكتور اشرف غريب دكتور الباطنة والذي قال لنا ان حالة الحاج معقدة جدا نظرا لوجود اكثر من شئ لكن املنا في الله كبير .

ثم ذهبنا الي الدكتور يحيي الخطيب دكتور الاوعية الدموية والذي طلب منا اشاعة علي القدم اليسري للحاج  وانه لن يتحدث عن الحالة قبل رؤيته لتلك الاشاعة .

علي الفور اخذنا نبحث عن مركز اشعة فلم نجد مركز مفتوح وكان اماما ان نذهب الي الباجور للكشف عند الدكتور احمد النجار … وربما تكون الاولي من نوعها ان جلس الحاج فتحي بالطابق الارضي ونزل الدكتور ليكشف عليه وقال له بالحرف الواحد “اطمئن يا حاج فتحي حالتك جيدة وباذن الله ستمشي علي رجليك” فنظر اليه الحاج فتحي وهو يبتسم ابتسامة تعجب وكأن لسانه حاله يقول له كيف وان رحيلي من الدنيا بعد 7 ايام …

فاحببت انا وايمن والحاجة ام عبده ان نستفيد من الحالة المزاجية للحاج بعد كلام الدكتور احمد ان نطلب من الحاج فتحي ان نأكل مع بعض “كفته” فقال موافق … وبالفعل نزلت لاحضر ” اربع تربع كفته ” ووعندما كنت اجلس في المطعم لانتظر  الكفته نظرت الي الحاج فتحي وهو بداخل السيارة واخذت افكر في نفسي ..هل حقا سيسير الحاج علي قدميه ؟ هل حقا سيشفي ؟هل حقا سيأكل الكفته كما وعدني ؟ الا انه انتظر حتي نأكل ورفض ان يأكل واكتفي بشرب المياه فقط .

 

وفي يوم الاربعاء 11 مارس ظروف عملي منعتني من الذهاب له لرؤيته واكتفيت بالاتصال به والاطمئنان علي صحته .

وفي يوم 12 مارس  كان يوم الاعصار فلم استطيع الخروج من البيت  فاكتفيت بالاتصال بالحاج  للاطمئنان علي صحته واخبرت الحاجة ام عبده ان لولا ظروف الجو لحضرت لرؤيته … وكانت تلك هي المرة الاولي منذ مرض الحاج الا اراه لمدة يومين ولو اني اعلم الغيب لمكثت معه تلك الايام تحت قدمة ولكن ارادة الله هي التي تسوقنا الي كل شئ  .

وفي يوم الجمعة 13 مارس استيقظت مبكرا رغم ظروف الجو المتقلبة ذهبت الي الحاج فتحي وجلست بجواره واخذت احايله ان يأكل كما كنت افعل معه الا انه كان يرفض دائما ان يأكل شئ … الا انه كان ينظر الينا وينظر الي السماء وكأنه يري احد فكنت اقول له : ماذا تري .. فكان يقول لاشئ ومن تلك اللحظات كان يسأل دائما عن الساعة ” الساعة كام ” فكنت اداعبه واقول له وراك الدوان يا حاج … الا انه كان يسأل عن الساعة باسلوب غير طبيعي وكأنه ينتظر موعد محدد له او تحدد له ويأبي ان يبوح به أو أنه يعلم شئ والله اعلم بحالة او انه أخبر من ان  عمره قد اوشك علي الانتهاء وما هي ساعات معدودة ينتظرها بمفرده… تساؤلات كثيرة لا يعرف اجابتها احد. 

هذا وقد قص على البعض من اهلي  ان الحاج فتحي عطا رحمة الله عليه قد اوصي يوم الجمعة  وصية مودع بل انه اوصي خمسة أشخاص من اهله وأولاده هم امل واسماء اخوتي والحاجة ام عبده واميرة زوجة اخي احمد وبحضور الحاج عطا الذي دخل عليه وهو يبكي فقال له  مايبكيك يا حاج فتحي ،،،، وبدأ الحاج يقول وصيته التي انحصرت أيضا في خمسة نقاط اهمها :_

اولها قال أوصيكم بأن تزدادوا حبا مع بعضكم البعض كما كنت حيا وكما علمتكم

ثانيا أوصيكم باعمامكم خيرا فهم أقرب الناس الي قلبي فحافظوا على الود معهم كما كنت افعل

ثالثا اوصكم بأن يفتح البيت للجميع ولا يغلق ابدا وان يكون بيتكم لكل الناس كما كان. 

رابعا اوصكم بالحاجة أم عبده خيرا فقد كانت سندا لي وتحملت معي الكثير واعملوا أن سعادتها من سعادتي وحزنها من حزني فلا تقصروا معها ولو قدر انملة واتركوا لها حرية التنقل بين بيوتكم. 

خامسا اذا حدثت بيكم مشكلة فلا تجعلوا الشيطان ينزغ بيكم واجلسوا مع بعضكم البعض حتى تزول كل العواقب وتعودوا الي رشدكم وتصفوا ما نفوسكم كما كنت افعل مع اخوتي. 

( اخر ليلة مع والدي )

وفي يوم الاحد 15 مارس اخر ليلة قضيتها مع الحاج فتحي في ذلك اليوم جلست بجوار الحاج من الساعة الواحدة ظهرا حتي الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل اي مايقرب من 12 ساعة قضيتها تحت قدمه احايله ان يخرج معنا الي الطبيب او الي مستشفي الباجور لتركيب له دم … الا انه كان متمسك برأيه بعدم الخروج فقلت له ساستدعي الحاج مجدي والحاج عطا لاقناعك بالخروج الي الطيب … لم يبالي بما اقول حتي بعد ان حضر اعمامي وفشلوا هم ايضا في اقناعه… وحتي يريحنا قال لي :  “ساخرج يوم الثلاثاء ”  فقلت له يوم الثلاثاء عندي شغل نخرج غدا ..قال لي : “موافق”  … فقلت له متي احضر لك غدا قال لي في اي وقت تحبه .. قلت له علي الساعة التاسعة صباحا .. قال “لا علي الظهرسانتظر يفطر سويا ثم نخرج للدكتور ” …. وكأنه يبعث لي برسائل اولها انني ساحضر الظهر واجده قد فارق الحياه والرسالة الثانية انه سيخرج من البيت يوم الثلاثاء كما قال لي … فجلست بجواره وقبلت رأسه وقلت له غدا نذهب مع بعضنا البعض فقال لي “غدا ساموت يا حاج اشرف” .. فقلت له مداعبا له لا تموت غدا  لان هناك حظر بعدم وجود سرادقات مأتم … فقال لي “غدا ساموت واذا تعذر ذلك فاكتفي بالدفن ”  … فقبلت رأسه وقلت له لن تموت فقال لي اعطني قدمك لاقبلها فضحكت وقلت له وهل عليك شئ لي حتي تقبل قدمي … قال لي ” لا تزعل مني لعدم استجابتي لك هذه المره بس انا حاسس بنفسي ” … فقلت له ومن يزعل منك انا زعلان علشانك انت … وقمت ونظرت في وجه فاذا هو باش سعيد بانه ارضاني وارضي من بجاوره   فخرجت من عنده علي امل اللقاء به كما وعدني ولا اعلم انه هي المرة الاخيره التي القاه فيها. وقبل ان امشي بلحظات قال لي……… ” سيبوني مع ربنا” فقلت له يا حاج فتحي كلنا مع ربنا فقال لي مرة ثانية…”سيبوني مع ربنا”. فقلت له ماشي مع  يا عم الحاج اشوفك بكره بإذن الله  .

( يوم الرحيل )

وفي صباح يوم الاثنين  16 مارس ( يوم الرحيل )  اتصلت بالحاجة ام عبده في تمام الساعة التاسعة صباحا للاطمئنان علي الحاج فتحي فقالت لي “الحمد لله بخير وقد طلب مني ان احضر له كوب ينسون وشربه الحمد لله ” فقلت لها ساحضر لكمزعلي الظهر باذن الله لنذهب سويا الي الطبيب …

وفي تمام الساعة العاشرة والنصف اتصلت بي اختي اسماء لتخبرني بان الحاج دخل في غيبوبة ولم نجد طبيب وعلي الفور ذهبت الي القرية ودخلت علي الحاج فاذا به قد فارق الحياه  وعرفت انه قد فارق الحياه الا انني تمالكت اعصابي وخرجت لابحث عن طبيب واتصلت بالاسعاف رغم علمي بان كل شئ قد انتهي وقد اسدل الستار علي حياة اعز اوطيب قلب الا انني طنت اكذب نفسي … وما ان جاء الطبيب واخبرني بان الحاج قد فارق الحياه … وقفت صامتا للحظة الا اننا تمالكت نفسي ولم ابكي الا بعد اكثر من ست ساعات من خبر وفاته وكأن الله تبارك وتعالي انزل علي قلبي الصبر لنعد له امر الدفن وامر العزاء …

( الليلة الاولي في القبر )

يوم الثلاثاء  17 مارس يوم الدفنة الليلة الاولي علي الحاج فتحي في القبر حين توفي – رحمه الله – حضر جنازته العديد من الأخيار والإخوة الفضلاء من أماكن شتى، تلهج ألسنتهم بالدعاء له وذكر مآثره. والحمد لله الذي جعل لك يا أبتي لسان صدق في الآخرين

فرحمك الله يا أبي، وغفر لك، وتغمدك بواسع رحمته، وأوفدك وفادة المقبولين، ورفعك في عليين، وجمعنا بك في جنات النعيم.. اللهم آمين.

اخيرا اقول :-

رحل عني .. الذى كان يصدح بالحق، والساعى دائما للتصالح بين العباد، ونصير الغلابة والفقراء، والداعم والسند والحصن القوى لنا من رياح وعواصف الأزمات، والزارع فينا الكرامة والكبرياء وقيم الشرف والأخلاق والإباء ونظافة اليد.

رحل عني .. والدى، فى يوم حزين، كئيب، كان وقع خبر وفاته على أذاننا، مؤلمًا، وقاسيا، أفقدنا القدرة على التصديق، وتخيلنا أننا فى كابوس مزعج، سيذهب بمجرد الاستيقاظ، ولكن تبين وبعد مرور ساعات، أنها حقيقة مرة. ومر شريط الذكريات سريعا، أمام عينى، مستعيدا ذكرياتى الطويلة مع والدى منذ مولدى وحتى رحيله، التى لا يحصيها من فرط زخمها، عشرات المجلدات.

رحل عني .. والدى الرجل الذى أصر على تعليمنا أنا وأخوتي ولم يبخل علينا بشئ ، متحديا كل الظروف والصعوبات .

رحل عني .. والدى الذي كان كان قارئا رائعا للمستقبل وكنت استمع له كثيرا، وندمت أشد الندم، أننى لم أدوّن كل ما دشنه من مأثورات ومقولات أثناء حواراته وأحاديثه سواء معى أو مع آخرين وفى وجودى، وما من رأى قاله، إلا وتحقق حرفيا  وعندما أستعيد مأثوراته، أندهش، وأقف مبهورا .

رحيل والدى .. صدمة عنيفة لى ولأخوتي واعمامي وعماتي  ونشعر أننا انكسر ظهرنا ولا نملك سوى أن ندعو له بالرحمة والمغفرة وأن يكون من أهل الجنة، ويسكب الله الصبر والطمأنينة فى قلوبنا ولا نقول الا مايرضي ربنا انا لله وانا اليه راجعون ……. رحم الله الحاج فتحي عبد ربه عطا 

ختاما :-

الرقم خمسه في رحلتي مع والدي رحمة الله عليه

مات الحاج فتحي رحمة الله عليه

  • وقت ان اخبرني انه سيموت كانت الساعة التاسعة وخمسة وخمسون دقيقة
  • مات بعد خمسة ايام من اعصار لم تتعرض له مصر من قبل
  • مات بعد خمسة وخمسون يوما بعد ان اخبرني فيها بوفاته
  • مات في الساعة العشرة والنصف وخمسة
  • مات بحضور خمسة من اهله
  • غسلة خمسة من احبابه
  • حضر غسله خمسة من اهله
  • قال وصيته قبل خمسة ايام من دخول قبره
  • قال وصيته لخمسة من اهله قبل موته
  • وصيته كانت خمسة نقاط أكد عليها قبل وفاته
  • دخل قبره في تمام الساعة الثانية عشر وخمسة وخمسون دقيقة

رحم الله الحاج فتحي عبد ربه عطا 

nor

شاهد أيضاً

حكاية مثل شعبى «إقلب القدرة على فمها تطلع البنت لأمها»

كتبت :دعاء منصور مثل نسمعه كثيرا، وهو منتشر فى كثير من البلاد العربية، باختلاف بعض …