كتبت : هبة العقيلي
فاشلة ، بتوقعي حاجاتك ، مستهترة ، مش مركزة ، مش عارفة مصلحتك ، ركز ركز ركز ! ، مش هتقدري تحققي حاجة ، ادوبلك الدرس ! ، إندفاعك خطر ، مش راكزة في مكان ! ، بتنسي كتير ليه ؟ ، عبارات عالقة في اذهانهم حتي الأن ، هولاء الذين ينظرون إلي المالوف بطرق غير مألوفه ، فلن يشيب حماسهم مع مرور الزمن ، حتي تصدوا للمعاناة بتبني استراتيجيات خاصة بهم ، لتجدهم يعيشون بداخل هالة من الاختلاف ، فهم الاشخاص المصابين باضطراب ” ADHD ”
وبنجاح أول مسلسل مصري ” خلي بالك من زيزي” في طرح الاضطراب وإعلان جنا عمر دياب مؤخراً بأصابتها به منذ الطفوله أصبح هناك حالة من الجدل والنقاش الكبير حول إضطراب ” ADHD ”
– صورة من مسلسل خلي بالك من زيزي –
قام د. محمد الهمشري استشاري الطب النفسي في الممكلة المتحدة بتعريف” ADHD ” بانه اضطراب عصبي بيولوجي مزمن ، يُصاحبه نقص الانتباه مع فرط النشاط ويبدأ في مرحلة الطفولة وغالباً ما يستمر في مرحلة البلوغ وقد يُحدِث التشخيص والعلاج المبكران فرقًا كبيرًا في النتائج.
اما عن الاعراض اوضح انها تنقسم إلي ثلاثة اقسام لدي الاطفال والبالغين ، القسم الأول فرط الحركة والنشاط ( يتميل يتلوى في المقعد- يجد صعوبة في الجلوس في الفصل او المواقف الاخري – يستمر في التحرك بحركة ثابته – يجد صعوبة في اللعب او القيام بالانشطة بهدوء – يتحدث كثيراً ) ولكن يجب أن يحدث ذلك في مكانين مختلفين حتي يتم التأكد من انه مُصاب .
والقسم الثاني ” تشتت الانتباه ” ( يبدو غير منصت ،- يواجه صعوبة في متابعة التعليمات – يعاني من مشكلات في تنظيم المهام والأنشطة – ويفشل في إنهاء العمل المدرسي أو الأعمال المنزلية – لا يُعجَب بالمهام التي تتطلب مجهودًا عقليًا مركّزًا، فقدان اشيائه الهامه ، النسيان الدائم )
و اضاف ان القسم الثالت ” الأندفاعية “(يتسرع بالإجابة ويقاطع السائل- يجد صعوبة في انتظار دوره – القيام الفوري بأفعال قبل التفكير بها) .
تحكي لنا مديحة كشك قصتها ، فهي مصرية امريكية تعيش في مصر منذ الطفولة ، وتري أنها عانت كثيراً في حياتها الشخصية ودراستها وعلاقاتها مع الاخرين في محيطها، فكان يتخلل جميعهم التشتت ،عدم النظام ، القلق والتوتر ، فحاولت لسنوات عديدة أن تجد حل لدي الأطباء النفسيين ، ولكنهم لم يعترفوا بهذا الاضطراب إلي أن جاء عامها ال 27 ومعه الأمل، وتم التشخيص بشكل صحيح بإنها لديها اضطراب يسمي ” ADHD ” فرط حركة وتشتت انتباه ثم بدأت رحلة علاجها .
وحينما شعرت بفاعلية الدواء في القضاء علي 90% من عرض واحد فقط من اعراض الاضطراب لديها ” التشتت الذهني ” فأصابها حالة من التحسر علي ذاتها “مش هنسي اللحظة دي ابداً لاقيت دماغي هديت وصعبت عليا نفسي وادركت ليه حياتي كانت صعبة “.
“احنا عادةً بنفشل و منكملش في حاجة كتير و دي بيخلينا منثقش في نفسنا و يجيلنا اكتئاب” ومضت ٤ سنوات علي أخذ مديحة للدواء ، فهي تؤكد أن التحسن كبير وفارق في حياتها وخاصة بعد الجلسات السلوكية المعرفية ، فزدادت ثقتها في نفسها و قدرتها علي فعل اي شئ ، وأصحبت تستطيع تكوين و تطبيق استراتيجيات للتأقلم مع الاضطراب و لتنظيم حياتها بشكل كبير.
وعبرت” كشك” عن امتنانها لعائلتها لدعمهم الدائم لها منذ بداية رحلتها مع الاضطراب وحتي إلي الان ، وخاصة زوجها ” جوزي دعمني و فهمني فورًا و كان واعي شوية عشان انا كنت اتكلمت عن الإضطراب لما كنت شاكة انه عندي و بقي يتفرج معايا علي برامج ثقافية عنه”
– مديحة كشك –
وكما وجدت الدعم أردات أن تكون داعمه لغيرها، فتطوعت مديحة لتشارك في إدراة جروب “Adult ADHD: Egypt Hub”، ومنذ شهر بدأت التوعية بشكل علني علي التيك توك وانشاء صفحة لها علي الفيس بوك بجانب الجروب تسمي “@ADHDinMENA ” ،لكي يتعرف الجميع علي الاضطراب وتساعد كل شخص يعاني فينقذ نفسه بالتشخص والعلاج قبل ضياع حياته ” عندنا قابلية أعلي للإنتحار من غير العلاج ومريت شخصياً بإكتئاب انتحاري قبل ما أدي نفسي فرصة اخيرة واتشخصت اخر مرة صح ومتمناش حد يمر باللي انا مريت بيه بسبب تشخيص وعلاج متاخر ”
” شخص منعزل اجتماعياً من شدة اعراضه – ابن مراهق وعنيف جداً بيضرب أمه – طالبة في الجامعة كانت هتسقط في كل موداها بسبب تشتتها الذهني – شخص اتشخص بعد عامه ال30 بعد حادثة صعبة بسبب اندفاعه الدائم – شخص في عامه ال 40 عاني من ادمان المخدرات لسنين كوسلية سلبية للتأقلم مع اعراض الاضطراب” وبهذه القصص وصفت مديحة الضياع في متاهة الاضطراب التي تسعي ان لا يدخلها أحد .
وأشارت إلي صعوبة حصولهم علي العلاج الدوائي لتصنيف بعض انواعه من المنشطات مثل ” الكونسيرتا ” علي الرغم من إنه علاج دافع وفعال للإضطراب ، فيُنظر إليهم كمدمنين وليس كاشخاص لديهم حق علاجهم .
كما أكد د. محمد الهمشري أن الأفضل في علاج “ADHD” تواجد ثلاثة انواع من العلاج ” الدوائي – السلوكي المعرفي – المجتمعي ” حيث هناك اعتبارات صحيه تختلف من حالة لاخري في أخذ العلاج الدوائي مثل الوزن والسن ووظائف الكبد والكلي ، اما العلاج السلوكي فيعتمد علي تعديل بعض الافكار والسلوكيات وأتباع استراتيجيات خاصة لديهم، والعلاج المجتمعي ما هو إلا تقبل ووعي كافي من الافراد في المجتمع لتواصل سليم مع المُصابيين .
اما عن مروة طلبه فكلما جاء والدها للإطمئنان عليها في فصلها كان يتفق المعلمين جمعياً علي جملة واحدة ” بنتك ذكية بس لعبيه ” إلي أن جاءت أول من تعاملها بلطف في حياتها الدراسية ، فمنحت لها مدرسة الرسم الثقة للمشاركة في تزين مبني ابتدائي فجعلتها تشعر بالفخر دائما عند رؤيته.
بينما في الصف الثالث الاعدادي كانت مروة لم تجد مفر من الملل والروتين الدراسي إلا بالجلوس في المقعد الاخير للإستمتاع بالرسم والعزلة، فذات يوم انهال عليها سؤال من المعلمه لم تستطيع الإجابة عليه فكان الرد صادماً لها ” لو كان الدرس بيدوب كنت دوبتهولك ” قتقول مروة بإستياء ” محدش كان عارف الطريقة الصح اللي اقدر اذاكر بيها وتتناسب مع القدرات بتاعتي ”
وتحكي مروة أن في الصف الأول الثانوي قَابلت أجمل وأهم معلمة علم نفس في حياتها و التي استطاعت أن تجد معني وتفسير لكل المشاعر والافكار التي تمر بها ” هي الوحيدة اللي نورت حاجات كتير جوايا ” فتملك منها حب علم النفس وأصبح تخصصها الجامعي بجانب دراستها الحرة للفنون الجميلة التي كانت حلمها منذ الطفولة .
– انشطة بداخل ورش مروة طلبه لعلاج فرط الحركة وتشتت الانتباه-
ولم تنجو نفسية مروة من اثر الكلمات السامه لها طوال حياتها ” انتي فاشلة – مستهترة – مش عارفة مصلحتك – ملكيش في التعليم ” فبعد تخرجها كانت مكتفيه بأن تكون ربة منزل فقط ، وتزوجت وأصبح لديها ولدان أحدهما لديه صعوبة في التعلم والاخر لديه فرط حركة وتشتت انتباه ، لتكتشف تشخصيها بظهور العامل الوارثي لدي ابنائها ، وبدأت رحلة جديدة مدتها ستة أعوام من الدراسات العالية والقراءة والبحث في مصر والخارج لتُجمع مادة علمية شامله عن الاضطراب “” لتصبح مروة طلبة اخصائي صحة نفسية وصعوبات تعلم وتنمية قدرات ، وأم واعية بقدرات ابنائها وقادرة علي التواصل معهم بطرق سليمة
– انشطة بداخل ورش مروة طلبه لعلاج فرط الحركة وتشتت الانتباه –
فقررت ” طلبه ” إنشاء صفحة لها علي الفيس بوك بأسم “Linkids By Marwa Tolba ” لتقدم العون لكل ام لديه ابن مُصاحب للاضطراب فتخترق السعادة قلبها عند سماع جملة واحدة من الامهات ” فهمت وارتاحت ” حيث تعيش الام وهي تائهة بين نقد لاذع وتوتر دائم ، فتركض للبحث عن اي وسيلة للمساعدة ، فعليها إدراك ” أن لكل طفل خريطة خاصة يجب تعرف طريق طفلها الصحيح وليس تحديد المسافة التي يقطعها”هكذا تنصح مروة الامهات فهي تؤمن دائماً “أن بالمتعة والتواصل هتنمو العقول وليس التعنيف .
لذلك رموز خريطة مي عبد الغني منذ الطفولة كانت تستدعي الاخرين للأطلاع عليها دائماً ، فكانت طفله لديها قدر عالي جدا من الذكاء وطاقة وفيرة تجعلها تريد أن تسبق القطار أو تقفز من الدور الخامس “كما تقول ” ، تبحث دائماً عن ما يثير تحفيزها حتي تُنجز ما عليها من التزام ، ولكنها علي خلاف دائم مع التركيز ” لو سرحت عن المدرس خمس دقايق كنت برجع اركز في وشه وعينه وكيف بدأ الخلق ” وأيضا تقع في ازمة مع ذاكرتها قصيرة المدي “ممكن افتكر حاجات شوفتها من 11 سنة ومفتكرش حاجات من 3 دقايق ” فتظل من الاوائل بذكاءها و لكن تتعثر أن تصبح الأولي.
ادركت مي حقيقة أمرها منذ سبعة سنوات اثناء زيارة لطبيبها النفسي ، لمتابعة رحلة علاجها من الاكتئاب المذمن ،حيث لاحظ أنها لديها مشكله في الانتباه وخاصه انه مصاحب لاضطراب يسمي ” ADHD ” ويعترف بوجوده في البالغين ، فأقترح عليها عمل اختبار ، وبساق تهتز ولم تتوقف وإجابات سريعه علي اسئله لم تنتهي من الاخصائية النفسية ، تيقن الطبيب أنها مُصاحبه لنفس الاضطراب ، فتصف مي احساسها أنذاك ” كانت لحظة إجابة وتنوير وفي نفس الوقت صدمة ورعب ، انا عندي حاجة مزمنة ومش هتروح طول العمر وممكن تبقي عند اولادي ”
وبعد سنة من التشخيص أخذت مي أول حبة دواء ، تأكدت من خلالها أنها لم تكن بهذا السوء كما تظن سابقاً ، فمفعول حبة واحدة جعلها قادرة علي انجاز العديد من المهام في يوم واحد، فتقول في تعجب ” ايه ده المشكلة مش فيا انا ، انا مش مي المهمله ، ده غصب عني ” ؟! ولان الاضطراب دائماً يصاحبه صورة مشوهة عن النفس بدأت مي رحلة العلاج السلوكي لحل جذور المشكله بداخلها ، فكانت أول من استطاع الاستغناء عن المنشطات واستبدلها باستراتيجيات تساعدها علي التأقلم ، فتقول مي بفخر ” في مناقشة الماجستير كان الاهداء لينا ولحباية الكونسيرتا اللي من غيرها اتعلمت اللاقي نفسي ”
– مي عبد الغني أثناء حفلة تخرجها في إنجلترا –
لتندهش مي بسمات شخصيتها التي كان يحجبها ساتر الاضطراب ، فتشعر بالتزامها لأول مرة عندما تنصحت زميلها بأن ما ينقصه هو حس الالتزام في العمل ، وهذا نتيجة لإلتزامها في تحقيق العديد من النجاحات في الدراسات العالية، وتكتشف ايضا إنها منظمة إلي حد كبير وما عكس ذلك ليس حالتها الطبيعه ” في حفله التخرج كل واحد بيختار حاجة كوميديه لزمايله يفتكرهم بيها كانوا مختارين شكلي وانا داخله متاخرة وكوباية الشاي واقعة علي هدومي وكتابي واقع مني، أقلامي طالعة من الشنطة ،كل حاجة مش في مكانها خالص “، لتُصالح ذاتها بعد ذلك و تبني بداخلها صورة مختلفة عن ” مي السابقة ” .
اتجهت “عبد الغني” للعمل في الصحافة وتخصصت في قطاع الصحة النفسية تمهيداً لمستقبل تتمني يُحيطه استيعاب الاخرين لاختلافهم واختلاف ابنائهم فيما بعد، نظراً لوجود عامل وارثي كبير بينهم، فكانت تسعد بالإنشغال طوال حياتها بالاعمال التطوعية ولكنها قررت إدخار هذه الاْوقات للاطفال والبالغين الذي يعانون مثلها
” كنت في مجموعة دعم للبالغين لاقيت اشخاص عندها 50 و70 سنه مش متشخصين وقعدت جنب رجل انجليزي رجله بتنهز ورجلي اليمن بتنهز جنبه ، فعيطت لإني اول مرة احس اني مش غريبه في ناس شبيهي ،انا عارفة اني هقضي حياتي هساعد الناس اللي زيي ” فأصبحت أدمن لأول مجموعة دعم اونلاين لاضطراب البالغين في مصر “Adult ADHD: Egypt Hub” .
فتوصي مي بالصبر والدعم والتقبل لكل شخص مصاحب لاضطراب حتي ينتهي من رحلة قاسية مليئة بالمعاناة ويبدأ رحلة جديدة مليئة بالنجاحات فتقول مي باعتزاز “احنا ممكن نعيش حياة مش بس طبيعية احنا ممكن ننجز ونتميز فيها ”
واشار د .الشهمري استشاري الطب النفسي أن لم تُكمن مشكله مصر في تشخيص ” ADHD ” إنما في معاناة الاهالي في الحصول علي بعض انواع العلاج الدوائي ،افتقار المتخصصين الخبراء في العلاج النفسي السلوكي الصحيح ، غياب العلاج المجتمعي لدينا فمن الصعب تعديل ثقافة إجتماعة كاملة علي ارض الواقع .
” كانوا بيسموني السرحان ” هكذا تذكر د. “م د” لقبه منذ الطفولة ، فكان يرافقه دائماً الورقة والقلم لنسيانه الدائم وتنفيذه الحرفي وأحياناً العكسي لطلبات عائلته المنزليه ، فأعتقد الأطباء منذ صغره إنه يُعاني من سوء تغذية ، ولكنه لديه ما يفيض من الطاقة، فكان بالنسبه له جمعيها أعراض مجهولة ، تمكن من معرفة تشخصيها في عامه ال25 ليبدأ رحلة تعايش مع اضطراب “ولكن لم يمنعه من النجاح في حياته فأصبح جراح عيون ” افتكر اني كنت مميز شوية في الطاقة بتاعتي بس عمري ما كنت فاشل لان في ناس كتيرة اوي دلوقتي بتحط الاضطراب في خانة الفشل” .
وبكتابة المشكله ومحاولة حلها وتحليلها مع الأخصائي النفسي ، نجح د. “م د ” في علاجه السلوكي المعرفي بعد تجربة سيئة مع العلاج الدوائي ، فأنشا في عام 2016 أول مجموعة دعم اونلاين لاضطراب البالغين في مصر “Adult ADHD: Egypt Hub” .
كما لاحظ في الاونه الاخيرة اقبال شديد عليه بعد النجاح الكبير لمسلسل خلي بالك من زيزي الذي سلط الضوء علي الاضطراب، لتزداد الأسئلة والأعداد يوماً بعد يوم ، فيسرع لتقديم التوجيه و الدعم المناسب لهم .
فاقد الشئ يتفاني في عطائة فهو يدرك جيداً احتياج الاخرين له ،هكذا تنطبق هذه المقوله علي ابطال هذة القصص الذين استبدلوا ادوارهم من غارقين لطوق نجاة لكل شخص يبدأ رحلة مجهولة مع اضطراب ” ADHD ” .